بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين: أحدهما: كون النَّاس تكلموا حينئذ وأقروا بالإيمان وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يَوْمَ القِيَامَةِ والثاني: أن الآية دلت عَلَى ذلك] اهـ.
الشرح:
يقول أصحاب القول الأول: كيف يقول الله تَعَالَى في ظاهر الآية: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172] فكيف تخرجون هذا القول وتصرفونه عن ظاهره أنه قول إلى مجرد أنه إقرار. أي: أنه إقرار وممن ذكر ذلك الفخر الرازي في تفسيره، وَقَالُوا: إن هذا القول ليس قولاً حقيقياً وإنما المقصود مجرد الإقرار واستدلوا بقوله تعالى: عندما خاطب السموات والأرض: ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11] فَقَالُوا: إن السموات والأرض لم تتكلم وإنما أذعنت وأقرت، فكان ذلك منزلة لو أنها نطقت، وهذا القول أيضا مرجوح.
فما المانع أن تنطق السموات والأرض وكل شيء يبقى عَلَى الظاهر، فالبشر في عالم الذر نطقوا ولا غرابه في ذلك عَلَى قدرة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وكذلك السموات والأرض نطقت ولا غرابة في ذلك عَلَى قدرة الله، فقد أنطق النمل وأنطق الهدهد وفقه ما تكلم به سليمان عَلَيْهِ السَّلام، وأنطق الجبال سبحن مع داود بالعشي والإبكار، فما المانع أن تنطق السموات والأرض وينطق الإِنسَان في عالم الذر، في الحقيقة أن كل هذه الآيات لا حجة لهم فيها، لأننا لم نوافقهم عَلَى أن السموات والأرض لم تنطق، وإنما هو مجرد إقرار.