والدليل الثالث: الذي ذكره ابن حزم حديث عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي فيه: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثُمَّ يكون علقة مثل ذلك ثُمَّ يكون مضغة مثل ذلك، ثُمَّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات) ووجه استدلال ابن حزم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد أن يخلق إنساناً، وأن ينفخ فيه الروح، فإنه يأتي بتلك الروح المخلوقة المنفصلة الموجودة التي خلقها واستنطقها وأقرها فينفخها في ذلك المخلوق، وهذا في الحقيقة لا دليل عليه، وإنما الوجه الصحيح في هذا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد أن يخلق نسمة، فإنه يخلق روحها، ثُمَّ يأمر الملك بأن ينفخ هذه الروح المخلوقة في ذلك الجنين.
والذين قالوا: إن الأرواح قديمة أزلية هم طائفة من الفلاسفة ومن الزنادقة الذين لا يعتد بقولهم ولا بخلافهم في هذه المسألة.
ثُمَّ يقولابن حزم بعد ذلك: "وقد ذكر مُحَمَّد بن نصر المروزي عنإسحاق بن راهويه -ذكر القول الذي قال به- ثُمَّ قَالَ: وعلى هذا أجمع أهل العلم، وقَالَ ابن حزم: وهذا قول جميع أهل الإسلام.
ونقل ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ أن ابن حزم ادعى الإجماع ها هنا في أمرين مختلفين، فإن السلف لم يجمعوا عَلَى أن الأرواح مخلوقة موجودة منفصلة قبل الأجساد حقيقة، وإنما أجمعوا عَلَى أن الأرواح مخلوقة من خلق الله عَزَّ وَجَلَّ، وعليه فإن الإجماع الذي نقله مُحَمَّد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه إنما هو في كون الأرواح مخلوقة.
والآثار التي ذكرها مُحَمَّد بن نصر المروزي، ونقلها ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ في كتاب الروح تدل عَلَى هذا، ويكون قولابن حزمٍ بهذا شاذاً.
القضايا المتعلقة بمسألة الاستخراج