أو وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ أي: خلقنا أباكم آدم، وقد ورد التعبير في القُرْآن الكريم عن الجنس الإِنسَاني كله بالبشر الواحد وهو آدم عَلَيْهِ السَّلام، أو يكون بالعكس؛ لأن هذه ذريته، والعلاقة بينها واضحة.
والقصد أن هذه الآية وما ماثلها ليس فيها دليل لابن حزم عَلَى أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، وإنما تدل عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قدر الخلق وصوره ثُمَّ ركب الإِنسَان كما قَالَ: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:8] فيخلق الإِنسَان ويركبه عَلَى الصورة التي قدرها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقضاها.
أو المعنى الآخر: أنه خلق أبانا آدم وصوره وأسجد له الملائكة، ثُمَّ جعلنا منه ذريته، فخلقه من طين، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين.
والدليل الثاني: الذي استدل به ابن حزم هو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) ، ووجه استدلاله أن الروح مخلوقة موجودة مستقلة تتعارف وتتناكر منفصلة عن الجسد، هكذا يقول، والواقع أننا لو تأملنا الحديث لوجدنا أن ما يدل عليه أن الأرواح خلقٌ من خلقِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "جنود مجندة" فهي أشباه ونظائر فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وهذا موجود في واقع النَّاس، فالأرواح المتشابهة المتعارفة تأتلف، والأرواح المتخالفة المتناكرة تختلف، ونجد أن أهل الخير يحبون أهل الخير، وأهل الشر يحبون أهل الشر؛ لأن الأرواح جنود مجندة خلقها الله عَزَّ وَجَلَّ هكذا، وليس فيه دليل عَلَى أن الأرواح خلقت منفصلة في عالم الغيب، وبقيت هنالك.