بعد ذكر الأحاديث التي سبق شرحها فيما مضى، قال المصنف: [وأحاديث أخرى كلها دالة عَلَى أن الله استخرج ذرية آدم من صلبة، وميز بين أهل النَّار وأهل الجنة] وذكر الفعل بالبناء للمجهول مبيناً أنه لم يتقدم هنا ما يدل عَلَى إمام أو مؤلف بعينه، وما ذكره ليس مختصاً ولا مقتصراً عَلَى الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وإنما وردت آثار وأحاديث منها المرفوع ومنها الموقوف تثبت وتدل جميعها عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى استخرج ذرية آدم من صلبه كما تقدم والمصنف رَحِمَهُ اللهُ ذكر منها هنا:
حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي رواه الإمام أَحْمَد ورواه -أيضاً- الإمام مالك في الموطأ.
وقبله حديثابن عباس وهو أصرحها رواه الإمام أَحْمَد والحاكم، وغيرهما.
والثالث: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عند التِّرْمِذِيّ، ورواه -أيضاً- الحاكم.
والرابع: وهو ما رواه الإمام أَحْمَد وهو في الصحيحين.
هل خلق الأرواح قبل خلق الأجساد؟
يقول رَحِمَهُ اللَّهُ [ومن هنا قَالَ من قَالَ: إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد] الذين قالوا بهذا القول، قالوه بناءً عَلَى أن الاستخراج كَانَ حقيقياً، وأنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى استخرج من ظهر آدم بنيه جميعاً استخراجاً حقيقياً وليس مجرد كناية عن الإخراج، وإنما استخرجهم وميزهم وخاطبهم واستنطقهم، وأقروا بما قال لهم وقطع الحجة والعذر عنهم، بناءً على ذلك قال من قال من السلف: إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد.
ودليلهم على ذلك قالوا: ما دام أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد خاطب الأرواح وخاطبته، فهي مخلوقة قبل الأجساد، وإذا أراد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يخلق إنساناً من البشر، فإنه عَزَّ وَجَلَّ يأمر الملك بإدخال روحه في جسده فيكون بشراً حياً.