فنلاحظ أن منطوق الآية ومنطوق الحديث متفق، وهو أن الله أخذ العهد عليهم أن لا يشركوا به شيئاً، ولا إشكال في الحديث أنهم أخذوا من الظَهْرِ، ورُدُّوا إِلَى الظَهْرِ، ولم يكن هذا الخلق الحي الآن، ويكفي هذا الحديث دليلاً عَلَى ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو أن الإخراج حقيقي والاستشهاد حقيقي، فيقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شيءٍ. أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهِ؟ - وفيه - قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ في ظَهْرِ آدَمَ ... ) الحديث.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وفي ذلك أحاديث أخر أيضاً كلها دالة عَلَى أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل النَّار وأهل الجنة، ومن هنا قَالَ من قال: إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، وهذه الآثار لا تدل عَلَى سبق الأرواح الأجساد سبقاً مستقراً ثابتاً، وغايتها أن تدل عَلَى أن بارئها وفاطرها سبحانه، صور النسمة، وقدر خلقها وأجلها، وعملها واستخرج تلك الصور من مادتها، ثُمَّ أعادها إليها، وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له، ولا يدل عَلَى أنها خلقت خلقاً مستقراً واستمرت موجودة ناطقة كلها في موضع واحد ثُمَّ يرسل منها إِلَى الأبدان جملة بعد جملة، كما قاله ابن حزم.
فهذا لا تدل الآثار عليه، نعم، الرب سبحانه يخلق منها جملة بعد جملة عَلَى الوجه الذي سبق به التقدير أولاً، فيجيء الخلق الخارجي مطابقاً للتقدير السابق كشأنه سبحانه في جميع مخلوقاته، فإنه قدر لها أقداراً وآجالاً وصفات وهيآت، ثُمَّ أبرزها إِلَى الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق، فالآثار المروية في ذلك إنما تدل عَلَى القدر السابق، وبعضها يدل عَلَى أنه سبحانه استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة] اهـ.
الشرح: