ثُمَّ يقول المصنف: [وهذه الآثار لا تدل عَلَى سبق الأرواح الأجساد سبقاً مستقراً ثابتاً] وهذا من إضافة المصدر إِلَى فاعله، ومعناه أن هذه الآثار لا تدل عَلَى أن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الأرواح خلقاً مستقراً ثابتاً منفصلاً، وأنها موجودة في عالم الغيب عنده تَبَارَكَ وَتَعَالَى، [وإنما غايتها أن تدل عَلَى أن بارئها وفاطرها سبحانه، صور النسمة، وقدر خلقها، وأجلها، وعملها، واستخرج تلك الصور من مادتها، ثُمَّ أعادها إليها، وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له، وأن منهم أصحاب اليمين، ومنهم أصحاب الشمال] .

بل ورد في بعض الروايات كما ذكرهاابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في كتابه الروح أن آدم عَلَيْهِ السَّلام لما رأى النَّاس رأى فيهم المعافى ورأى منهم المبتلى، فقَالَ: يا رب! هلّا عافيتهم جميعاً، قَالَ: إني أريد أن أُشْكر، فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أخرجهم عَلَى صفات، وعلى هيئات، وهو أعلم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما سيكونون عليه في ذلك الوقت، ثُمَّ أعاد ذلك العالم "عالم الذر" إِلَى صلب أبينا آدم وأخذت ذريته تتناسل.

وكل نسمة خلقها الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنها تخرج بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما يقدر الله أن يلتقي الزوجان الذكر والأنثى، وأن تخلق تلك النسمة فتنتقل من صلب ذلك الرجل، ثُمَّ تنفخ الروح وهكذا، فليس هنالك روح مستقلة منفردة موجودة من قبل، إنما يخلقها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك الوقت، فيخلق الروح التي قضي وقدر أنه سوف يخلقها، وهذا هو الفرق بين القولين.

ولهذا لما جَاءَ رجل إِلَى سعيد بن المسيب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فسأله عن العزل فقَالَ: إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَضَى بِكُلِ نسمة مخلوقة، واستخرجهم في كف آدم ورآهم وخاطبهم، وأنه لن يزيد من ذلك نفس، ولن ينقص منه نفس، فهذا ما يقرره السلف ويؤيدونه ويؤكدونه في مسألة القدر.

تعلق مسألة الميثاق بمسألة القدر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015