فماذا بعد هذا التحدي لهم؟ من إعطائهم آية وبرهاناً مثل من أحيا ميتاً، أو ألقى عصاً فإذا هي حيةٌ تسعى، أو أخرج لهم من الجبل ماءً، وهذه آيةٌ خفية؛ لكن من تدبرها وجدها آيةً عظيمة؛ إذْ كيف يأتي هذا الرجل فيتحدى أمةً من الأمم بآلهتها وقواها ومعبوداتها، وهو مطمئن معتمد عَلَى صدق توكله إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ [هود:56] فلا يجرؤ الكاذب في أي قضية من القضايا عَلَى أن يتحدى جميع الملأ وجميع الناس، ويصبر وهو كاذب، بل الكاذب إذا حدث اثنين فلا يريد أن يدري الثالث بهذه الكذبة، ولذلك نجد أن خوارق الكُهّان والمشعوذين والسحرة لا يبرزونها للعيان أبداً، لأنها ليست آيات، بل هي شعوذات وأكاذيب وأوهام مختلقات، وتجده مخفياً لا يعرفه إلا بعض مريديه ومن يأتون إليه، وتجده مع دعوى أنه يشفي جميع الأمراض، ويستطيع أن يخبرك بأي شئ من المغيبات، لا يعرفه أهل العلم والعقول؛ بل هو في الأحياء الفقيرة والأماكن المنزوية، ومع الطبقات الحقيرة أو مع النساء، فكلما كَانَ المجال والوسط الذي يعيش فيه أضعف عقلاً كَانَ عمله هناك أكثر.
وأما أنبياء الله عزوجل فلأنهم عَلَى الصواب والحق والبرهان، يواجهون نفس الطاغوت الأكبر، فيأتي موسى ويخاطبفرعون، ويأتي إبراهيم ويخاطب النمرود، ويأتي نبينا ويخاطب الملأ الأعلى من قومه فيرقى عَلَى الصفا ويدعو جميع كبراء قريش، فيخاطبهم خطاباً عاماً ويبين لهم ما يدعوهم إليه من الحق.
دلالة الأسماء والصفات على وحدانية الله سبحانه وتعالى
قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: