فالعقليات هي: التي يضبطها العقل؛ لأن الحَكَم هو العقل، ولذلك نجدهم يبدؤن الحديث عن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وعن صفاته فيقولون: ما يجوز لله عقلاً، وما يجب له عقلاً، وما يمتنع عنه عقلاً، فتقول الأشعرية: إن العقل هو الذي يثبت الصفات السبع، وتقولالمعتزلة: العقل هو الذي يثبت الأسماء وينفي الصفات، وتقول الجهمية: إن العقل هو الذي ينفي الأسماء والصفات، ولا يثبت إلا وجوداً مطلقاً. فهذا القسم "العقليات" تدخل فيه معظم المباحث المتعلقة بصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
والسمعيات أي: التي دل عليها الخبر المجرد، والعقل لا يقتضي إثبات ذلك ولا نفيه -مثلاً- يقولون: الإيمان باليوم الآخر وما يكون فيه، لا يقتضي العقل وجوده ولا يحكم بنفيه، فهو من القسم الجائز عقلاً؛ لكن ورد خبراً وسمعاً ومثله: عذاب القبر.
ويرد عليهم: أن الآيات القرآنية التي تظنونها سمعية -كالآيات التي تتعلق بالآخرة- هي براهين عقلية، وقد استدل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وبين حقيقة البعث والحساب والنشور بحجج وآيات، هي في ذاتها براهين عقلية لا تملك العقول إلا أن تسلم بصحتها، وتقتضيها إما اقتضاءً كلياً وإما اقتضاءً جزئياً -أي يقتضي كل مسألة بذاتها- مثل: مسألة اليوم الآخر، والبعث، والنشور، فإننا نرى رجلاً جباراً طاغياً ظالماً سفَّاكاً للدماء طول عمره، ثُمَّ يموت، ونرى آخر براً رحيماً تقياً عادلاً حسن العشرة إِلَى آخر صفات الخير ثُمَّ يموت. فالعقل السليم يقتضي -بدون أن يأتيه وحي- أن يكون هنالك جزاء، ويجازى هذا بظلمه وشره، ويجازى هذا بخيره وبره، والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سمى نفسه الحكيم، وعدم الحساب خلاف الحكمة.
وكلمة "السمع": تطلق عَلَى الأدلة النقلية، والنقل يعني: الكتاب والسنة. أي: التي نقلت إلينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال لها: دليل خبري.