مثال ذلك: لو أن أحداً منا كَانَ رجلاً صالحاً تقياً عابداً، لا يدعو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في شيء إلا واستجاب له، وقد كَانَ في هذه الأمة من هو مجاب الدعوة مثل: سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فلو دعا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً، أو يبعث أبا بكر حتى يراه، لا يقبل دعاؤه، لأنه وإن كانت دعوته مستجابة فإن الدعاء لا يجوز الاعتداء فيه، وهذا من الاعتداء في الدعاء، فلا يصح أبداً أن تدعو الله به. فإذا دعوت الله تَعَالَى به فإنك معتد في الدعاء، وهذا الدعاء مردود، وإن كنت مستجاب الدعوة في أمور أخرى. وهكذا ما يذكر في قصة عابد بني إسرائيل -وقد كَانَ مجاب الدعوة- فقيل له: ادع الله عَلَى موسى عَلَيْهِ السَّلام، فلما دعا اندلق لسانه -والعياذ بالله- وكان ذلك شؤماً عليه وخسارة.
ولهذا جَاءَ الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دعا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ثلاث دعوات، فاستجاب الله له دعوتين ولم يستجب له الثالثة، ثُمَّ بين الله تَعَالَى ذلك فقال: (يا مُحَمَّد إني إذا قضيت قضاء فإن قضائي لا يرد) فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه أن لا يهلك أمته بسنة بعامة أي: بالجدب والقحط العام الذي يفنيهم جميعا، كما بينته الرواية الأخرى، وفي رواية أخرى أعم من ذلك دعا الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أن لا يهلكهم بما أهلك الأمم قبلهم، وفي بعض الروايات -وهي كلها صحيحة- عينت أنه الغرق، قَالَ: (اللهم لا تهلكهم بالغرق، أو قَالَ: دعوت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق) فاستجاب الله له.