والمرسل لا يحتج به بعض العلماء، لأنه يحتمل أن التابعي رواه عن تابعي أو عن أكثر من تابعي، فقد يروي الرجل الحديث عن اثنين أو عن ثلاثة من أقرانه، ثُمَّ يكون الثالث أو الرابع رواه عن صحابي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتابعي لم يدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما أدرك الصحابة.
فالتابعي وإن كَانَ ثقة، لكنه قد يروي عن تابعي ضعيف، أو تابعي غير مقبول، وذهب بعض علماء الحديث وكثير من الفقهاء إِلَى أن المرسل مقبول يحتج به، وَقَالُوا: إن التابعي إذا قَالَ: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه إنما قاله متأكداً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قاله، وراوياً له عن الصحابي الذي أسقطه، لأنه ليس من الضروري أن يذكر الراوي من روى عنه، فهو يقول: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقينه أنه سمع هذا الحديث من أحد الصحابة، هذه وجهة نظر الآخرين.
وتوسّط في ذلك بعض العلماء فَقَالُوا: إنّ بعض التابعين يقبل حديثه المرسل بإطلاق، كسعيد بن المسيّب رَحِمَهُ اللَّهُ فإنه إذا قال: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإنّا نقبله بإطلاق، وأمّا بعضهم فإنّ مراسيله غير مقبولة كالزّهري مثلاً، كما قال العلماء، فالزهري وغيره يروون كثيراً جداً عن التابعين وعن أقرانهم، ويرفعون أحاديث كثيرةً إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا قال مثل هَؤُلاءِ: قال رَسُول الله. فإنه لا يقبل، وخاصة من كَانَ منهم من صغار التابعين.
فالحديث رواه الإمام مالك مرسلاً، وهذا المرسل مردود عند بعض العلماء ومقبول عند بعضهم، ثُمَّ أورد لهذا الحديث بعض طرق روي بها مرفوعاً عنأبي سعيد الخدري، وأورد الإمام أَحْمَد في المسند له شواهد، فنقول: إنّ الحديث بمجموع هذه الشواهد يرتقي إِلَى الصّحة.