وأما الشبهات التي هي هوىً وظنون وتأويلات من عند أنفسهم، فهذه يجب عليهم هم أن يردوها، وكذلك ما كَانَ بالتقليد كقولهم: هذا رواه الأولياء، أو هذا ثبت بالتجربة عند المشايخ، أو هذا مما لُقِنَاهُ بالعلم الباطن أو نحو ذلك، فإن هذا الكلام مردود أصلا وبداهةً ولا نناقش في هذا الكلام، إلا عَلَى سبيل رده جملةً وتفصيلاً، لكن إذا جاءونا بأدلة علمية وَقَالُوا: قال الله: أو قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكنهم فهموا الآية عَلَى غير وجهها، أو فهموا الحديث عَلَى غير وجهه، قلنا لهم: نعم، إذاً؛ نَحْنُ وإياكم نبحث عن الدليل العملي الصحيح ونتبعه بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
هذه قاعدة عامه في مجادلة هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ، ولا نجادلهم إلاّ بالتي هي أحسن.
فنقول: إن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله عَلَى قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) .
الكلام عليه يتلخص في أمرين:
الأول: في ثبوته.
والثاني: في معناه، وفي رد شبهة الْمُشْرِكِينَ في الاستدلال به.
أما ثبوت هذا الحديث: فإن الإمام مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- قد رواه في الموطأ مرسلاً عن زيد بن أسلم، وروي أيضاً مرسلاً عن عطاء، والحديث المرسل هو: الحديث الذي سقط منه الصحابي، يعني أن يقول التابعي: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا الحديث يسمى مرسلاً، كما قال الناظم: (ومرسل منه الصحابي سقط) وزيد بن أسلم أو عطاء تابعيان، ومثل ذلك سعيد بن المسيب رحمهم الله، والزهري، ونافع، وأمثالهم ممن يروون عن الصحابة -رضوان الله عليهم- فإذا قال أحد هَؤُلاءِ التابعين: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر الصحابي الذي روى عنه -فلم يقل عن أنس ولاعن جابر ولا عن أَبِي هُرَيْرَةَ - فهذا الحديث يسمى مرسلاً.