فجدير بنا أن نراجعه، وأن نتأمله، وأن نرجع إِلَى الأصول التي شرحته وبينته، ولا سيما كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، فإنه من أعظم الكتب التي فصلت في هذا الجانب، وبينت أن توحيد الربوبية لم تكن تنازع فيه الأمم السابقة، أي: الإيمان والإقرار والاعتراف بأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو وحده الخالق الرازق، المحيي المميت، الذي يدبر الأمر وينزل الغيث، ولم تقع العداوة والخصومة فيه بين الأَنْبِيَاء وأممهم، وإنما جَاءَ الرسل والأنبياء من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إِلَى النَّاس ليقولوا لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه [هود:61] أي: جاءوا داعين إِلَى إفراد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بتوحيد الألوهية أو توحيد الإلهية.

فهذا هو الذي وقعت فيه الأمم، أي وقعوا في شرك العبادة، عبادة غير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ودعاء غير الله والاستغاثة بغير الله، ورجاء النفع أو الضر من عند غير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، واعتقاد أن غير الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يعلم الغيب أو يملك من الأمر شيئا، هذا هو الموضوع الذي وقع به الشرك. عندما اختلف النَّاس بعد أن كانوا عشرة قرون بعد آدم -عَلَيْهِ السَّلام- عَلَى التوحيد كما قال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: فاختلفوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِين [البقرة:213] .

فكانوا عشرة قرون عَلَى التوحيد، حتى جاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحولتهم وصرفتهم من التوحيد إِلَى الشرك، فوقع الشرك في قوم نوح، وهي أول أمة مشركة بسبب تعظيم الأولياء الذين يظن النَّاس فيهم الخير، فكان ذلك ذريعة إِلَى الشرك، وموصل إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015