وبعد التوسعة للمسجد من جميع الجهات في أيام الوليد بن عبد الملك أصبحت الحجرات وكأنها داخلة في بناء المسجد، ثُمَّ جَاءَ عصر المماليك فأدخلت أكثر، وهكذا مع الزمن أصبح القبر كأنه وسط المسجد، وأصبح الجاهل الذي لا يدري يقول: إن المسجد بني عَلَى القبر، وكذا بعض الجهال يظنون أن الكعبة -البيت الحرام - إنما بنيت عَلَى قبر إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام، لأن أكثر ما رسخ في أذهان الْمُسْلِمِينَ هو تقليد اليهود والنَّصارَى في اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد، ثُمَّ تناقله الْمُسْلِمُونَ أنفسهم بعد، عَلَى أنه لا يوجد مسجد بأي مكان إلا وهو عَلَى قبر.
وهذا من أعظم الخطر الذي أصاب الأمة الإسلامية، حتى لما جَاءَ التتر كَانَ بعض سدنة القبور يقول:
يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر
فكان النَّاس يجتمعون عند أصحاب القبور يدعونهم ويقولون: إن المدينة الفلانية محروسة بالولي الفلاني -ويسمونه (الحارس) - فلا يدخلها التتار ولا الصليبيون لأن الحارس موجود. فإذا جَاءَ العدو تزاحموا عند القبر يدعون ... يا حارس! ... يا حارس!.
فاقتحم التتار المدن ودمروها، لأن هذه الضلالات والخرافات لا تقف أمام الواقع والحقيقة.
وهذا هو عين الشرك الذي إذا لم تتخلص هذه الأمة منه، فلن يرفع الله عنها الذل، وإذا وحدته وحده لا شريك له نصرها وأعلا شأنها.