فلذلك اضطر بعضهم أن يقول: إن وجود الله وتوحيد الربوبية، أمر ثابت بالسمع وبالوحي فقط، بحيث لو لم يرد به الوحي فإن العقول تعجز عن إثباته؛ لأنه ما من دليل تضعه العقول إلا وتأتي عقول أخرى تنقض هذا الدليل، وهذا الذي بلغ بهم حتى أن أقروا بذلك، فَقَالُوا: إن القضية قضية خبرية ووحيٌ، وهذا من تفريطهم وجهلهم، وقد أوضحنا أن الله سبحانه وتعالى لما نزل هذا القرآن أنزل فيه أدلة برهانية، فهو أمر تسمعه، وخبر من عند الله تعتقده، وليس بنظريات فلسفية وإنما هو تنزيل من العزيز الحكيم سبحانه وتعالى ومع ذلك يشتمل على: البراهين القوية التي ليس في بابها أشد وأعظم إقناعاً منها، فذكر سبحانه تعالى الإيمان باليوم الآخر، وذكر صدق أنبيائه، بأقوى البراهين وأقوى الحجج، بل ويتحدى المشركين ويقول: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة:111] ، [النمل:64] .
فمثلاً: قضية النبوة هي من أهم قضايا العقيدة، وقد ذكر لنا القُرْآن من الدلائل العظيمة عَلَى صدق الأَنْبِيَاء ما يذعن له كل أحد مهما قيل عن عقله، إلا أن يكون مكابراً معانداً، فإن العناد طبع وجبلة في أعداء الله المستكبرين، وما من نبي بعثه الله إلا وله أعداء.
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] وكل نبي ينقسم قومه إِلَى فريقين:
1-الملأ الذين استكبروا وهم الطبقة العليا أصحاب المناصب.