سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:84، 85] ومثل هذا كثير في القرآن، ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم، بل كَانَ حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من الهند والترك والبربر وغيرهم، تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأَنْبِيَاء والصالحين، ويتخذونهم شفعاء، ويتوسلون بهم إِلَى الله، وهذا كَانَ أصل شرك العرب، قال تَعَالَى حكاية عن قوم نوح: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح:23] وقد ثبت في صحيح البُخَارِيّ، وكتب التفسير، وقصص الأَنْبِيَاء وغيرها، عن ابن عباس رضي الله عنهماـ وغيره من السلف، أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا عَلَى قبورهم، ثُمَّ صوروا تماثيلهم، ثُمَّ طال عليهم الأمد فعبدوهم، وأن هذه الأصنام بعينها صارت إِلَى قبائل العرب، ذكرها ابن عباس ـرضي الله عنهماـ قبيلة قبيلة] . اهـ
الشرح:-
ذكر المُصنِّفُ أن وجود الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والاقرار بتوحيد الربوبية في الجملة أمر مجمع عليه، مفطورة عليه الخلائق، وذكر عجز المتكلمين وأصحاب النظر والاجتهاد العقلي، أو البحث الكلامي، وأنهم كلما جاؤوا بدليل وضعوه عَلَى وجود الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَاءَ الفلاسفة فأبطلوا عليهم هذا الدليل، فتناقض القول بذلك؛ لأن المتكلمين يضعون أدلة من جنس قواعد الفلاسفة - والفلاسفة أعلم بقواعدهم- فإذا وضعوا دليلاً من كلامهم هدمه أُولَئِكَ من قواعدهم وكلامهم.