لا تعطى الأجرة لمن قصد بحجه المال

وننبه إلى مسألة الحج عن الغير، هل يصل المحجوج عنه الأجر أم لا؟ نقول: يكثر التساهل في إعطاء الإنسان أجرة على أن يحج، فهل يصل الثواب إلى ذلك المحجوج عنه أم لا يصل إليه؟

صلى الله عليه وسلم يختلف ذلك باختلاف حالة الحاج الذي أخذ هذا المال ليحج به، فننظر في حالته: إن كان قصده المال فلا حج له، وإن كان قصده الحج فله حج.

وكيف يكون قصده المال؟ إذا كان يريد أن يأخذ هذا المال ليتاجر به، أو ليتملكه وينفقه في أموره الخاصة، لا أنه يريده لينفقه في الحج حتى يتيسر له الحج، فالذي يقصد بأخذه المال الحج، ويقول: أنا عاجز عن الحج، عاجز عن تكلف السفر والنفقة وأجرة الركوب، وأحب أن أحج، وأتمنى أن أقف مع الحجاج، وأن تعمني معهم الرحمة، وأن تنزل علي المغفرة معهم، وأن أكون ممن يباهي الله بهم الملائكة، وأتذلل لله تعالى بإظهار الافتقار، وبإظهار الضعف بين يديه؛ ولكن يعوقني المال، فلا أجد كفاية ذهابي وإيابي، ولا أجد في مالي ما أتمتع به إلى أن أصل إلى تلك المشاعر؛ وذلك لفقري وفاقتي، فأنا آخذ هذا المال وأنفق منه، أو أعطي منه ولدي أو أهلي ما يكفيهم مدة غيبتي، حيث إني أنشغل عنهم بهذا السبب، وقد كنت أكفيهم بكسبي، وأما الآن فقد غبت عنهم، فأنا آخذ هذا المال لأنفق منه عليهم، ولأنفق منه على نفسي، ولأدفع منه أجرة الركوب، ولا أجعل الباقي زيادة، ولا آخذ إلا قدر الكفاية.

فمثل هذا يقبل حجه، ويكون له أجر على حجه، ويكون للمحجوج عنه أجر الحجة التي حجها عنه.

أما إذا كان قادراً على أن يحج بماله، وليس له رغبة في الحج، ولكن ما أراد إلا أن يأخذ هذا المال ليزيد به ماله إن كان له مال، ولم يكن من الذين يشتاقون إلى الحج، ولم يكن من الذين يحبون أن يقفوا في المشاعر، ويتمنون أن يشاركوا في تلك المناسك، لا همة له في ذلك، إنما همته هذا المال الذي بذل له، والذي أخذه، فتراه -مثلاً- يكفيه مدة ذهابه وإيابه ألفان، ولكنه يطلب أكثر، ويقول: فلان يعطي خمسة آلاف، فلان يعطي أربعة آلاف، فلان يدفع ثمانية آلاف أو نحو ذلك؛ فكأنه والحال هذه ما حج إلا لأجل الدنيا ولأجل هذا المال، فيدخل فيمن يريد الدنيا بعمل الآخرة، ويدخل فيمن يعبد الدنيا، ويدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدنيار، تعس عبد الدرهم) أي: أنه عبد لهذا المال؛ حيث إنه عمل عملاً صالحاً يبتغى به وجه الله، ولم يعمله إلا لأجل هذا الكسب وهذا المال، فمثل هذا لو أعطيته ولو عشرة آلاف أو ثمانية آلاف فأجر حجته ناقص؛ لأنه يدخل في الذين ذمهم الله بقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود:15] ، وقوله: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] .

فيتفطن لمن يدفع أجرة الحج، ويسأل ذلك الحاج: ماذا تريد من هذه الحجة؟ أتريد المال أم تريد الحج؟ إن كنت تريد الحج مشتاقاً إليه ولكنك عاجز؛ فلك أجر، أما إذا كنت لا تريد الحج ولا رغبة لك إلا في المال؛ فلا حج لك ولا أجر لك، ولو أعطيتك مالاً كثيراً فلن يكون هناك أجر لهذه الحجة، فخير لي أن أتصدق على الضعفاء والمساكين فإنه أولى من أن أعطي المال هذا الذي يجعله زيادة في رأس ماله أو نحو ذلك.

ولكن إذا كان هذا الذي يريد أن يحج من الفقراء، ونويت بإعطائه الصدقة عليه؛ لكونه مسكيناً وفقيراً، ونويت بالزيادة أنها بأجرها، وأنها صدقة عليه؛ لكونه من الذين تحل لهم الصدقة؛ فلك أجر على هذه النية، ولو كانت نيته غير الحج، يعني: لو كانت نيته المال لكونه بحاجة إلى المال، فأنت إذا نويت أنها صدقة، وأنه إذا حج فربما ينتفع الميت بحجته، فإذا كان قصده المال وهو من أهل الاستحقاق كان للميت أجر الصدقة، فينتفع الميت، سواء كان أجر صدقة أو أجر حجة، ويقال كذلك في بقية الأعمال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015