تتعرض كتب العقيدة لكل شيء فيه خلاف مع المبتدعة، ولو كان من الفروع، ولو كان المخالف فيه مخالفاً لنص ظاهر، أو كان المخالفون فيه قليلين، ومن ذلك مسألة وصول ثواب الأعمال التي يعملها الأحياء إلى الأموات.
وقد ورد ما يدل على وصول بعض الأعمال، وخصها بعضهم بما تسبب فيه الميت، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) .
فالصدقة الجارية هي: الأوقاف والأحباس التي وقفها في حياته لينتفع بها كبناء المساجد والمدارس، وكذا الصدقات التي هي غلات كوقف ثمار النخيل على الضعفاء، وكوقف غلات البيوت ونحوها على الجهاد، أو على الحج وما أشبه ذلك.
وأما العلم الذي ينتفع به: فهو الكتب التي كتبها وألفها، وكذلك العلوم التي علمها من ينقلها عنه، فإنه ما دام ينتفع بها يأتيه أجر.
وأما الولد الصالح: فيعم الذكر والأنثى من ذريته وذرية ذريته الذين يدعون له.
وأصل الدعاء هو سؤال الله للميت مغفرة ورحمة وجنة وثواباً، وتخفيف حساب ومغفرة ذنب ونحو ذلك.
والأحياء يدعون للأموات، وأول ما يدعون لهم في صلاتهم على الجنازة عندما يقدم الميت بين يدي المصلين، فيدعون له بالمغفرة والرحمة، وبإدخاله الجنة، وبتكفير الخطايا وما أشبه ذلك، ولا شك أنه ينتفع بذلك؛ لأن هذا من السنة.
وأما بقية الأعمال: فاتفقوا على أن من تبرع بصدقة عن ميته وصله أجرها، سواء كانت الصدقة عيناً -يعني: نقوداً- أو طعاماً أو لحماً أو نحو ذلك من الصدقات، وهي داخلة في قوله: (صدقة جارية) ، فهذه الصدقة تعم ما إذا كان الميت هو الذي سبل تلك الصدقة، أو تصدق بها عنه ذريته، يعني: تبرعوا بمال يتصدق بغلته فينتفع هو بتلك الصدقة التي تصدقوا بها وجعلوا أجرها لميتهم، ويعم ذلك الأضاحي إذا أوصى بها، أو ذبحت عنه وجعل أجرها له؛ فإنها من جملة الصدقات.
وأما الصدقات الأخرى: فلا شك أنه يصله أجرها، فإذا تصدق عنه ولده أو قريبه صدقة على فقير، أو على مسكين، أو على ابن سبيل، أو على ذي حاجة من قريب أو بعيد؛ نفعه ذلك، وكذلك إذا أطعم طعاماً أو كسا كسوة أو نحو ذلك، ونوى أجرها لميته؛ نفعه ذلك؛ لأن هذا كله من الصدقات التي إذا تبرع بها ونوى أجرها للميت وصل أجرها بمجرد النية.
ويدخل في ذلك الصدقات التي يتبرع بها غير أقاربه، فلو تصدق عنه أحد وليس من أقاربه، بل لإحسان إليه، أو لمحبة له لأنه نفع الإسلام والمسلمين مثلاً، فأراد أن يتصدق عنه؛ نفعه ذلك.
ولا شك أن أجر الدعاء يصل إلى الأموات، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته الصلاة على الميت، وأن يقولوا في الصلاة عليه: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله) إلى آخر الدعاء، وكذلك فعل ذلك بنفسه، فدعا بمثل هذا الدعاء الخاص على الجنازة، كقوله: (اللهم اغفر له وارحمه) ، والدعاء العام كقوله: (اللهم اغفر لحينا وميتنا) إلى آخره.
ولولا أنه ينتفع بذلك لما شرع هذا الدعاء له بعد موته.
وكذلك علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إذا زاروا القبور أن يدعوا بقولهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) ، والسلام دعاء، فإذا قال: السلام عليكم، فقد دعا لهم بالسلامة من العذاب والسلامة من الآفات ونحوها.
وكذلك قوله: (نسأل الله لنا ولكم العافية) هذا دعاء لهم بالعافية، وكذلك قوله: (واغفر لنا ولهم) دعاء لهم بالمغفرة، وكل ذلك دليل على أنه يصلهم الدعاء؛ وذلك لأنه سؤال من الله، يسأل العبد ربه أن يرحم هذا الميت وأن يتجاوز عنه، فالله تعالى إذا استجاب هذا الدعاء وصل أجره ووصل أثره إلى ذلك الميت، وانتفع بهذا الدعاء واستفاد منه، فكان للميت أجر، وللحي الداعي أجر، كما إذا دعا للغائب، يقول في الحديث: (إن المسلم إذا دعا لأخيه المسلم فإن ملكاً يقول: آمين؛ ولك بمثل) .
فكذلك الدعاء للميت.
وكذلك بقية الأعمال ولو كانت بدنية فالراجح أنه يصله أجرها، وقد تستثنى من ذلك بعض الأشياء التي يكون العمل فيها غير خالص لله.