قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رحمة الله تعالى واسعة، يرحم بها عباده فقال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الرحمة مائة جزء، كل جزء طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها جزءاً واحداً في الأرض، فمن ذلك الجزء تتراحم المخلوقات، وتتراحم الدواب، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، فإذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة إلى تلك الأجزاء فرحم بها عباده) ، فهذا معنى كونه كتب على نفسه الرحمة.
وقال في الكتاب الذي كتبه: (فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، إن رحمتي تغلب غضبي) ، ولأجل ذلك كان من أسمائه الحسنى: الرحمن الرحيم، وأخبر بأنه يرحم من عباده الرحماء، وقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ، وقال: (من لا يَرحم لا يُرحم) وكل ذلك دليل على أنه تعالى يجود على من يشاء ويرحمهم، ولكن أعمالهم مهما كانت، ومهما كثرت، فهي تقل عن أن يستحقوا بها وحدها الجنة.
ولأجل ذلك لما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102] استثقلوا هذه الآية وقالوا: إنا لا نستطيعها، حتى أنزل الله بياناً لها قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، ومع ذلك فسر عبد الله بن مسعود قول الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102] فقال: تقوى الله حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.