قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قيل: إذا حكمتم باستحالة الإيجاد من العبد، فإذاً لا فعل للعبد أصلاً، قيل: العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة حقيقة، قال الله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة:197] وقال تعالى: {فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود:36] وأمثال ذلك.
وإذا ثبت كون العبد فاعلاً، فأفعاله نوعان: نوع يكون منه من غير اقتران قدرته وإرادته، فيكون صفة له ولا يكون فعلاً، كحركات المرتعش.
ونوع يكون منه مقارناً لإيجاد قدرته واختياره، فيوصف بكونه صفة وفعلاً وكسباً للعبد، كالحركات الاختيارية.
والله تعالى هو الذي جعل العبد فاعلاً مختاراً، وهو الذي يقدر على ذلك وحده لا شريك له، ولهذا أنكر السلف الجبر، فإن الجبر لا يكون إلا من عاجز، فلا يكون إلا مع الإكراه، يقال: للأب ولاية إجبار البكر الصغيرة على النكاح، وليس له إجبار الثيب البالغ، أي: ليس له أن يزوجها مكرهة.
والله تعالى لا يوصف بالإجبار بهذا الاعتبار؛ لأنه سبحانه خالق الإرادة والمراد، قادر أن يجعله مختاراً، بخلاف غيره.
ولهذا جاء في ألفاظ الشارع: (الجبل) دون (الجبر) كما قال صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس: (إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة.
قال: أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ قال: بل خلقين جبلت عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله) .
والله تعالى إنما يعذب عبده على فعله الاختياري، والفرق بين العقاب على الفعل الاختياري وغير الاختياري مستقر في الفطر والعقول.
وإذا قيل: خلق الفعل مع العقوبة عليه ظلم، كان بمنزلة أن يقال: خلق أكل السم، ثم حصول الموت به ظلم، فكما أن هذا سبب للموت، فهذا سبب للعقوبة، ولا ظلم فيهما.
فالحاصل أن فعل العبد فعل له حقيقة، ولكنه مخلوق لله تعالى، ومفعول لله تعالى، ليس هو نفس فعل الله، ففرق بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق.
وإلى هذا المعنى أشار الشيخ رحمه الله تعالى بقوله: (وأفعال العباد خلق الله، وكسب من العباد) ، أثبت للعباد فعلاً وكسباً، وأضاف الخلق إلى الله تعالى، والكسب: هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر، كما قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286]] .