قد أخبر الله تعالى أنه يتميز المؤمنون من المنافقين في قول الله تعالى: {نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:12-13] ، إذا أعطوا نوراً وفرقت عليهم الأنوار انطفأ نور المنافقين، وسار المؤمنون بنورهم، فإذا ساروا تأخر المنافقون في تلك الظلمة، وعند ذلك يمنعون ويحجزون، ويقولون: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ} يعني: نأخذ قبساً نستضيء به من نوركم، فيقال: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] ، ارجعوا إلى المكان الذي قسمت فيه الأنوار فيرجعون، فإذا رجعوا ضرب بينهم بسور: حاجز منيع له باب لا يدخل إلا من ذلك الباب {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] ، فهذا الوقت الذي يتميز فيه المنافقون من المؤمنين.
وقد ورد أيضاً: (يقال: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتمثل لكل فئة طاغوتها الذي كانت تعبده، فيمثل للنصارى تمثال على هيئة ما يعبدونه، ويقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، يقال: كذبتم ما اتخذ الله من ولد ولا صاحبة، ما تريدون؟ فيقولون: عطشنا يا رب! فيقال: ألا تردون؟ فيساقون إلى جهنم فيتساقطون فيها، وكذلك يقال لليهود، فيتساقطون فيها، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فإذا بقيت هذه الأمة أتاهم ربهم، فيقول: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فإذا تجلى لهم سجدوا، فإذا سجدوا تمكن المؤمنون من السجود، ولم يتمكن المنافقون، كلما أراد المنافق أن يسجد خر لقفاه، وذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42-43] ) أي: قد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلاة وهم سالمون فلا يسجدون، فكذلك إذا دعوا إلى السجود يوم القيامة وأرادوا أن يسجدوا لم يحصل لهم ولم يستطيعوا السجود، وهنالك تقسم عليهم الأنوار ويتميز المؤمنون عن المنافقين، وينادون المؤمنين: ألم نكن معكم؟ فيقولون: {بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} [الحديد:14] ، وهذا واضح في كلام الله.
وفي الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الجسر الذي ينصب يوم القيامة على متن جهنم ويعبرونه، يقول العلماء: إن هذا هو المرور أو الورود، فالله تعالى أخبر أن كلاً يرد على النار فقال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:71-72] ، فمرورهم على هذا الصراط هو ورودهم المذكور: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} ، فأما المؤمنون المتقون فإن الله تعالى ينجيهم، {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم:72] ، ولا تضرهم، بل كلما مروا على لهب منها طفئ اللهب، ويروى: (أن النار تقول: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، فإذا عبروا يتساءلون: ألم يعدنا ربنا أننا نرد النار؟ فيقال: إنكم قد وردتموها وهي هامدة خامد) ، هذا هو مرورهم على هذا الصراط.