الرسل كلهم أخبروا باليوم الآخر، واعترفت الأمم التي تدخل النار بأن رسلهم قد بلغوهم، واعترفوا بأنهم لم يصدقوا لنقص في عقولهم، قال الله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8] يعني: ينذركم بالعذاب وينذركم بالنار، {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك:9] واعترفوا بأن تكذيبهم هو الذي أوقعهم في العذاب حتى قالوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10] .
وسمعنا الآية التي في سورة الزمر، وهي قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71] ، وكذلك في سورة الأنعام أن الرسل تقول لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام:130] ، يقول الله لهم هذه المقالة، فيقولون: بلى، يعترفون بأنهم قد جاءهم الرسل الذين أنذروهم لقاء يومهم هذا، ومع ذلك لم يتقبلوا، بل كذبوا الرسل، واستبعدوا أن يكون هناك بعث بعد الموت، واعتقدوا أن ليس هناك إلا هذه الدنيا، وأنهم إنما خلقوا ليأكلوا ويشربوا ويمتعوا أجسامهم، وبعد أن يخرجوا من الدنيا لا يعودون مرة أخرى، هذه عقيدة أوبقتهم وأهلكتهم وأنستهم ما خلقوا له.
ومن الأدلة على البعث أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه على اليوم الآخر في قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:53] الضمير (هو) يعود إلى البعث وما بعد الموت من الجزاء على الأعمال، (أحق هو؟) أي: أحق صحيح وثابت ما أخبرتنا به من البعث والجزاء، (قل: إي وربي) أمره أن يحلف بالله ربه الذي هو رب المخلوقات وخالقها ومدبرها.
وكذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [سبأ:3] ، (بلى وربي) هذا حلف أيضاً، (لتأتينكم) : أي: لابد أن تأتيكم الساعة.
وكذلك قوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [التغابن:7] ، هذا أيضاً قسم ثالث: (بلى وربي لتبعثن) أي: لابد من البعث.
وكذلك قوله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] ونحو ذلك من الآيات الكثيرة التي يقسم فيها بأنه لابد أن يبعثوا.
أما المشركون: فإنهم ينكرون هذا، بل يحلفون عليه، يقول الله تعالى في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل:38] ، والله تعالى يقيم عليهم الحجج بعد جزمهم هذا، فيخبرهم أنه هو الذي بدأ خلقهم فلابد أن يعيده، وهو الذي خلق هذه المخلوقات التي هذه عظمتها، فلابد أن يعيد الإنسان الذي هو أحقر وأصغر وأذل من هذه المخلوقات العظيمة، يقول الله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] ، السماوات والأرض بما فيها الله تعالى هو الذي خلقها، والإنسان بلا شك أنه من أفضل من خلقه الله، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] فالله خلق الإنسان، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد، وخصه بالعقل والمعرفة، وعند ذلك كلفه، وأمره بأن يتعبد لربه ويطيع، وأمره بأن يستعد للقاء الله، وأخبره أنه لابد من لقاء ربه، وأن اللقاء حتم لابد منه، فمن حقق ذلك الإيمان وذلك الرجاء استعد له، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} [الكهف:110] (لقاء ربه) يعني: مقابلة ربه، أي: من كان موقناً بأنه لابد أن يلقى الله تعالى فليستعد بالعمل الصالح الخالي من الشرك.