الحكمة تقتضي البعث، فإن هذه دار عمل، والآخرة دار جزاء، فالناس في هذه الدنيا يعملون، وفي الآخرة يلقون جزاء أعمالهم؛ ولأجل ذلك صار اهتمام العقلاء في هذه الدار بعمارة ما بعد الموت، وهو الدار الآخرة التي سيفدون إليها، وقد انتبهوا إلى أنهم مأمورون بالعمارة وبالبناء، ولكن البناء الذي يبقى ليس البناء الذي يفنى، فإن بناء الدنيا يفنى ويفنى ساكنوه، وتفنى الدار ويموت صاحبها، وأما العمارة في الآخرة فإنها هي الباقية، يقول بعضهم: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها النفس ترغب في الدنيا وقد علمت أن السعادة فيها ترك ما فيها فاغرس أصول الهدى ما دمت مجتهداً واعلم بأنك بعد الموت لاقيها فإذا آمن العبد بأنه مأمور بأن يعمل للآخرة أكثر من العمل للدنيا أفلح، والآخرة هي دار الجزاء، والمؤمنون يعملون لآخرتهم، بمعنى أنهم يقدمون ما تعمر به مساكنهم في الجنة، روي في بعض الآثار: (أن الملائكة يبنون قصوراً لبني آدم، فإذا توقف الإنسان عن العمل توقفوا عن البناء وقالوا: نتوقف حتى تأتينا النفقة) .
معلوم: أن الذي يبني في الدنيا يتوقف العمال عن البناء حتى يعطيهم أجرتهم ونفقتهم، فكذلك في الآخرة لا تبنى المباني الأخروية من الغرف التي فوقها غرف إلا بالأعمال الصالحة.