Q نرجو من فضيلتكم زيادة الإيضاح: كيف يكون الخلاف بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة خلافاً معنوياً وليس خلافاً صورياً كما قال الشارح رحمه الله، مع أن الجميع متفقون على أن فاقد الإيمان كافر، وفاقد العمل فاسق؟
صلى الله عليه وسلم هذه المسألة سيشرحها ويوضحها الشارح فيما بعد، ويذكر الأدلة التي يستدل بها الحنفية، والراجح أن النزاع معنوي لا لفظي، ويوضح أنه ليس بلفظي أن الذين يقولون: إن الأعمال ليست من الإيمان؛ يتوسعون في فعل الذنوب، ويسهلون المعاصي، ويكثر فيهم اقتراف السيئات، ويقولون: ما دامت ليست من الإيمان، وما دام أن الإيمان كامل بدون هذه الحسنات، وبدون هذه القربات، فما لنا ولها؟ فلا حاجة إلى أن نتنفل، ولا حاجة إلى أن نتصدق، ولا حاجة إلى أن نتوقى المآثم والمحرمات؛ لأنها لا تنقص الإيمان، فيكثر التساهل منهم في مثل هذا، وهذا ناتج عن هذا القول، وهو القول بأن الأعمال ليست من مسمى الإيمان.
أما إذا جعلناها من مسمى الإيمان فإننا نقول: إنها كلها يكون لها تأثير في الإيمان، فإذا صلى ركعتين نافلة زاد إيمانه، وإذا تصدق بصدقة ولو قليلة زاد إيمانه وانضم إليه هذا العمل، وإذا تكلم بكلمة خير زاد إيمانه، وإذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر زاد إيمانه، وإذا خطا خطوات لله تعالى في عمل صالح زاد بذلك إيمانه، وما أشبه ذلك.
كما أنه ينقص إيمانه إذا فعل ضد ذلك، إذا نطق بكلام سيء نقص إيمانه، وإذا مشى إلى ملاهي أو مآثم نقص إيمانه، وإذا أنفق في سبيل الشيطان نفقة سيئة كان ذلك نقصاً في إيمانه، وهكذا.
فهذا هو التفاوت بين من يقول: إن الأعمال ليست من الإيمان، ولا حرج عليه إذا عصى وإذا أذنب، وإيمانه كامل، وهذه المعاصي لا يكون لها تأثير في الإيمان، ولا يكون لها تأثير في نقصه، ولا غير ذلك، فالإيمان موجود، والإيمان كامل، والأعمال زائدة عليه، وإن كان الناس يتفاوتون في الثواب والعقاب؛ فيفتح للناس باب التساهل في ترك الطاعات، وفي فعل شيء من المآثم، هذا هو النتيجة، أما إذا قلنا: إن الأعمال من مسمى الإيمان، وإنها داخلة فيه؛ فإن الإنسان يحرص على ما يكمل إيمانه، ويبتعد عما ينقص إيمانه.