الأدلة على عذاب القبر

الإيمان بالبرزخ وما يكون فيه ثبت تفصيلاً بالسنة، وثبتت أدلته من القرآن، وقد روي أن امرأة من اليهود دخلت على عائشة، فكان من جملة ما قالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فأنكرت عائشة أن يكون في القبر عذاب، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم سألته، فقال: (نعم، إن القبر فيه عذاب وفيه نعيم) أو كما قال.

وقد استدل الشارح على عذاب البرزخ بآيات، وابتدأ بقوله تعالى في قصة آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، في بعض الحكايات أن أناساً رأوا في المنام أو في اليقظة أن طيوراً تذهب أول النهار وهي بيض إلى وراء البحر، وترجع في آخر النهار وهي سود، فقيل له: إن هذه أرواح آل فرعون في أول النهار تعرض على النار فتحترق، ثم ترجع فتعود كما كانت، ثم ترجع في آخر النهار فتحترق، يعرضون على النار فيحترقون فتسود ألوانهم، هذا عذاب البرزخ، يعرضون على النار غدواً أول النهار، وعشياً آخر النهار.

فإذا كان هذا في حق آل فرعون فكذلك كل كافر، وكل خارج من الإسلام، وكل مبتدع؛ يثبت له هذا العذاب الذي ثبت لآل فرعون.

الآية الثانية في آخر سورة الطور، وهي قوله تعالى بعدما ذكر يومهم الذي فيه يصعقون، وهو يوم القيامة، قال: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} [الطور:47] (عذاباً دون ذلك) يعني: قبل ذلك، فسر هذا العذاب بأنه عذاب القبر، وقيل: إنه عذاب في الدنيا، ورجح الشارح أنه عذاب القبر؛ وذلك لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا، فدل على أنه لابد أن يأتيه عذاب قبل عذاب يوم القيامة، ولا يكون إلا عذابه في البرزخ.

وقد استدل أيضاً بقوله تعالى في سورة السجدة: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى} [السجدة:20-21] ففسر العذاب الأدنى بأنه عذاب البرزخ، فإن عذاب القبر قبل العذاب الأخروي.

واستدل أيضاً عليه بقوله تعالى في سورة التوبة لما ذكر المنافقين: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101] المرتان قيل: مرة في الدنيا ومرة في البرزخ، أو مرتين في البرزخ، يعني: عذاب على الأرواح وعذاب على الأبدان، فهذه أدلة تدل على إثبات عذاب القبر من القرآن.

وقد تكلم العلماء على القبور وما يكون فيها، فكتب المتقدمون كتباً كثيرة كـ ابن أبي الدنيا له كتاب مطبوع فيمن شوهد يعذب في قبره، وكذلك ابن القيم في كتابه المسمى بكتاب الروح، تكلم فيه على عذاب القبر، وذكر الأدلة عليه، وذكر أنواعه، كذلك تلميذه ابن رجب في كتابه الذي يسمى: (أهوال القبور وأحوال الموتى إلى النشور) تكلم فيه على عذاب القبر وأنواعه، وتوسع في ذلك، وذكروا أمثلة وأدلة على ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015