اختلاف الكلمات واختلاف الآراء والأهواء سبب للتعصب، فيتعصب كل لرأيه، ولمذهبه، ولهواه، وهذا يحدث في أهل البدع، فإن هذه الطائفة إذا كانت تنتحل بدعة وتهواها وتفضلها فإنها لا تقبل ممن خالفها، بل ترى أن من خالفها على باطل وعلى ضلال، ونشاهد -مثلاً- الذين يسمون أنفسهم شيعة وهم الروافض، نشاهدهم يتآلفون فيما بينهم، ويحب بعضهم بعضاً، ويقدم بعضهم بعضاً ربما على نفسه، كما حكى لي أحد أهل السنة في هذا المسجد أنهم جماعة من أهل السنة نحو المائة أو المائتين، وحولهم من الرافضة أكثر من عشرين ألفاً، فهؤلاء الرافضة تأتيهم الإمدادات ويأتيهم العون من الشيعة في العراق وإيران والمملكة، ويشجعونهم.
والواجب أن أهل السنة يشجعون أهل السينة ويثبتونهم ويواسونهم، ويعطونهم ويمكنونهم؛ لأنه تجمع بينهم الأخوة الدينية التي هي أخوة الإسلام، فإذا كان أهل الباطل يجتمعون ويتناصرون على مذهبهم، الذي هو في الحقيقة باطل، ولكنه عمي عليهم، وزين لهم أنه حق، فما بال الذين هم على الحق وعلى الصراط؟! قرأت في بعض الكتب أن المسلمين في أول القرن الثاني، لما كانوا في خراسان مجتمعين من جهات متعددة، فإذا لم يغزو ولم يذهبوا إلى قتال أعدائهم وقع الاختلاف بينهم، وأخذوا يتفاخرون، وكل يتعصب لقبيلته، وكل يتعصب لمذهبه، وكل يتعصب لأميره ولشيخه، ويحصل بينهم تشتت واختلاف أهواء، وربما حصل بينهم تقاتل أو تناوش أو ما أشبه ذلك، فجاءهم أمير ناصح مخلص، وجمع كلمتهم، ووحد وجهتهم إلى قتال أعدائهم، وتوجهوا كلهم نحو الأعداء؛ عند ذلك زالت العداوة والبغضاء التي كانت بينهم، وصاروا إخوة متآخين متوجهين إلى العدو الذي هو أكبر الأعداء، العدو في الدين، فكانت هذه الفعلة التي يفعلها أولئك القادة -من جمعهم على التوحيد- أعظم نصيحة حتى يقاتلوا أعداءهم.
فنحن نحث المسلمين أن تجتمع قوتهم وتتوجه نحو أعدائهم، سواء الأعداء الكفار أو الأعداء المبتدعون، أو نحوهم.
وننهاهم عن التمادي في اختلاف الآراء والأهواء، وقد مر بنا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة على أصحابه وهم يتنازعون في القدر وقد اختلفوا، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، يعني: من شدة الغضب، فقال: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، أبهذا أمرتم؟! أم بهذا كلفتم؟! ما عرفتم فقولوا به، وما لم تعرفوا فكلوا أمره إلى عالمه) ، فنهى عن اختلاف الكلمة في مسألة القدر.