تقدم لدينا ما يتعلق بحث الإسلام وتحريضه على الاجتماع ونهيه عن الافتراق، وحثه على الائتلاف وتحذيره من الاختلاف، وذلك أن المسلمين كلما كانوا مجتمعين، وكلما كانت كلمتهم واحدة؛ كان نفوذ كلمتهم أقوى من غيرهم ممن خالفهم، وكلما تفرقت كلمتهم وتشتت أهواؤهم، واختلفت آراؤهم، ضعفت معنويتهم، وقوي عليهم أعداؤهم، فلأجل ذلك جاء الإسلام يحث على الاجتماع، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] فأمر بالاجتماع، ونهى عن التفرق، والتفرق يعم تفرق الأبدان وتفرق الأهواء والآراء والمذاهب والشيع والفرق والأحزاب، يعم ذلك كله، ويقول تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] (تَفَرَّقُوا) أي: تفرقت كلمتهم، (وَاخْتَلَفُوا) أي: اختلفت آراؤهم، واختلفت أهواؤهم، وقد امتن الله تعالى على المؤمنين بأن جمعهم على كلمة التوحيد، وألف بين قلوبهم، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:62-63] أي: جمع بينهم، ورزقهم المحبة والألفة، بحيث إن بعضهم يؤثر أخاه المسلم على نفسه، وعلى ولده، وعلى أحبابه وأحفاده وأنسابه وأقربائه، وذلك لما في قلبه من الود والرحمة للمسلمين عموماً.
ولا شك أن هذه الأوصاف كلما تأكدت وقويت وثبتت كان المسلم مؤثراً لإخوته، ومقدماً لهم، ومحباً لهم غاية الحب، ومقدماً لمصالحهم، وإذا كانوا مجتمعةً كلمتُهم، ومتآلفين على كلمة التقوى؛ نتج من ذلك تعاونهم على البر والتقوى، وتعاونهم على تنفيذ كلمة الله، وعلى إظهار شعائر دينه، وكلما كانوا كذلك ضعف أعداؤهم وتخاذلوا وتفرقوا، وحصل النصر والتمكين للمؤمنين، والتفرق والانهيار للكافرين، وهذه سنة الله.