قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [ويشير الشيخ رحمه الله بقوله: (من الشرع والبيان) ، إلى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: شرع ابتدائي، وبيان لما شرعه الله في كتابه العزيز، وجميع ذلك حق واجب الاتباع.
وقوله: (وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالحقيقة ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى) .
وفي بعض النسخ: (بالخشية والتقى) بدل قوله: (بالحقيقة) .
ففي العبارة الأولى يشير إلى أن الكل مشتركون في أصل التصديق، ولكن التصديق يكون بعضه أقوى من بعض وأثبت -كما تقدم تنظيره- بقوة البصر وضعفه.
وفي العبارة الأخرى يشير إلى أن التفاوت بين المؤمنين بأعمال القلوب، وأما التصديق فلا تفاوت فيه، والمعنى الأول أظهر قوة، والله أعلم بالصواب] .
قد ذكرنا أن الإيمان الذي في القلب يتفاوت بقوته أو بضعفه، وكذلك يتفاوت التصديق بقوة الأدلة وكثرتها، أو بضعفها وقلتها، وإذا تفاوت الذي في القلب تفاوتت الآثار؛ وذلك لأن ما في القلب يؤثر على البدن، فإذا كان الإنسان قوي الاعتقاد قوي التصديق، وقلبه مطمئن بالإيمان، مصدق لما سمعه من الآثار، فلا شك أن تصديق القلب يقع أثره، فترى لسانه دائماً يلهج بذلك الشيء الذي اعترف به، وترى أيضاً قلبه مطمئناً بذلك، وترى أيضاً بدنه مشتغلاً بذلك، وإذا كان التصديق ضعيفاً لم تر له أثراً على الإنسان، ولا على البدن إلا قليلاً، وإذا كان هناك تكذيب لشيء من الشريعة رأيت آثار ذلك التكذيب.
فالحاصل: أن آثار التصديق القوي هي الطاعات، وآثار التكذيب هي المعاصي، وآثار التوقف هي قلة الأعمال، فآثار ضعف التصديق هو ضعف النتيجة، فنتيجة التصديق القوي كثرة الأعمال الصالحة، والاستعداد للموت ولما بعد الموت، وكذلك الإكثار من الحسنات، وعمل أنواع القربات، والبعد عن السيئات وأنواع الخطايا، ولا شك أن ذلك كله أثر من آثار قوة الإيمان في القلب، ومع ذلك فإن الأعمال التي على البدن هي في الحقيقة من الإيمان كما تقدم، فلأجل ذلك كان المؤمن هو الذي يصدق ويعمل، والذي لا يصدق ولا يعمل فهو كافر، والذي يصدق ولا يعمل فليس بمؤمن، أو إيمانه ضعيف، فلابد أن يجمع الإيمان الذي في القلب بين ثباته وقوته، وبين ظهور آثاره.