قال الشارح رحمه الله: [ولكن النفاة قد جعلوا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] مستنداً لهم في رد الأحاديث الصحيحة، فكلما جاءهم حديث يخالف قواعدهم وآراءهم، وما وضعته خواطرهم وأفكارهم ردوه بـ: (ليس كمثله شيء) تلبيساً منهم وتدليساً على من هو أعمى قلباً منهم، وتحريفاً لمعنى الآية عن مواضعه.
ففهموا من أخبار الصفات ما لم يرده الله ولا رسوله، ولا فهمه أحد من أئمة الإسلام، أنه يقتضي إثباتها التمثيل بما للمخلوقين! ثم استدلوا على بطلان ذلك بـ (ليس كمثله شيء) تحريفاً للنصين!! ويصنفون الكتب، ويقولون: هذا أصول دين الإسلام الذي أمر الله به وجاء من عنده، ويقرءون كثيراً من القرآن ويفوضون معناه إلى الله تعالى، من غير تدبر لمعناه الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه معناه الذي أراده الله.
وقد ذم الله تعالى أهل الكتاب الأول على هذه الصفات الثلاث، وقص علينا ذلك من خبرهم لنعتبر وننزجر عن مثل طريقتهم، فقال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75] إلى أن قال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [البقرة:78] والأماني: التلاوة المجردة، ثم قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79] .
فذمهم على نسبة ما كتبوه إلى الله، وعلى اكتسابهم بذلك، فكلا الوصفين ذميم: أن ينسب إلى الله ما ليس من عنده، وأن يأخذ بذلك عوضاً من الدنيا مالاً أو رياسة.
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل في القول والعمل بمنه وكرمه] .
السنة والحمد لله محفوظة مصونة قد يسر الله لها من يميزها، ويبين صحيحها من سقيمها، والسنة متى ثبتت فليس لأحد ردها، وكذلك كتاب الله تعالى ثابت وصريح الدلالة، وليس لنا أن نرده ولا أن نرد السنة اعتماداً على العقول، واعتماداً على الأقيسة الباطلة ونحوها.
وقد ذكرنا أن هؤلاء المبتدعة اعتمدوا عقولهم وجعلوها هي المقياس، فما وافقها أثبتوه، وما خالفها نفوه، ثم انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم يحرفون الكلم عن مواضعه.
وقسم يفوضون الألفاظ والكلمات، ويقولون: لا نعرف معناها.
وقسم يولدون شيئاً من قبل أنفسهم، كلاماً أو عبارات لا أصل لها ويجعلونها معتمدة، وكل الأقسام قد ذمها الله تعالى.