قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [ولهذا فضح الله من كذب على رسوله في حياته وبعد وفاته، وبين حاله للناس.
قال سفيان بن عيينة: ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث.
وقال عبد الله بن المبارك: لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث، لأصبح والناس يقولون: فلان كذاب.
وخبر الواحد وإن كان يحتمل الصدق والكذب، ولكن التفريق بين صحيح الأخبار وسقيمها لا يناله أحد إلا بعد أن يكون معظم أوقاته مشتغلاً بالحديث، والبحث عن سيرة الرواة؛ ليقف على أحوالهم وأقوالهم، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل، وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحداً في كلمة يتقولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك.
وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم، فهم يزك الإسلام، وعصابة الإيمان، وهم نقاد الأخبار، وصيارفة الأحاديث.
فإذا وقف المرء على هذا من شأنهم، وعرف حالهم، وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم؛ ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه.
ومن له عقل ومعرفة يعلم أن أهل الحديث لهم من العلم بأحوال نبيهم وسيرته وأخباره ما ليس لغيرهم به شعور، فضلاً أن يكون معلوماً لهم أو مظنوناً، كما أن النحاة عندهم من أخبار سيبويه والخليل وأقوالهما ما ليس عند غيرهم، وعند الأطباء من كلام بقراط وجالينوس ما ليس عند غيرهم، وكل ذي صنعة هو أخبر بها من غيره، فلو سألت البقال عن أمر العطر، أو العطار عن البز، ونحو ذلك، لعد ذلك جهلاً كبيراً] .