الأقوال التي ذكرها الشارح في تعريف الإيمان منها ما هو صواب ومنها ما هو خطأ، فالصواب: هو القول الأول، الذي هو قول أهل الحديث، وقول أكثر الأئمة، فقد ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري والأوزاعي وأئمة الحديث كـ البخاري ومسلم، وأهل السنن، وسائر المحدثين، وأكثر المتكلمين، وسلف الأمة، وهذا القول الصحيح هو: أن الإيمان يدخل فيه قول اللسان، وعقيدة الجنان، وعمل الأركان.
فيقولون: هو قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.
والأركان هي: الجوارح، فالعينان لهما عمل، والأذنان لهما عمل، واليدان والرجلان والبطن والفرج كلها لها عمل، هذه هي عقيدة أهل السنة.
ومن اعتقادهم -أيضاً- أنه يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، ويستدلون على ذلك بأدلة كثيرة سيأتينا بعضها، وأوضح هذه الأدلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) ، فقوله: (بضع وستون أو بضع وسبعون) يعم خصال الخير كلها، فيقال: الصلاة من الإيمان، والصوم من الإيمان، والصدقة من الإيمان وفيما يتعلق بالكلام يقال: الذكر من الإيمان، والتسبيح من الإيمان، والقراءة من الإيمان، والجهاد من الإيمان، والأمر بالخير والدعوة إلى الله -وما أشبه ذلك- من الإيمان، ويقال في أعمال القلوب: الزهد في الدنيا خوفاً من المشتبهات من الإيمان، والرغبة في الآخرة من الإيمان، والحب في الله والبغض في الله من خصال الإيمان وما أشبهها.
جاء في الحديث: (أعلاها: قول: لا إله إلا الله) فجعل هذه الكلمة من العقيدة، وهي كلمة التوحيد، وقال: (وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) ، وهذا عمل بالأركان، كون الإنسان يميط الأذى عن الطريق ويوسع للمسلمين هذا من عمل البدن، وقال: (والحياء شعبة من الإيمان) والحياء عمل قلبي، فذكر القول: لا إله إلا الله، وذكر العمل: إماطة الأذى، وذكر الحياء الذي هو خلق قلبي، يحمل على ما يجمل ويزين، وينهى عن كل ما يدنس ويشين.
إذاً: تدخل الأعمال كلها في مسمى الإيمان؛ ولأجل ذلك اهتم العلماء بشعب الإيمان، فصنف الإمام البيهقي كتاباً كبيراً سماه: شعب الإيمان -يعني: خصال الإيمان- وطوله، وأورد فيه الأحاديث الكثيرة بأسانيدها، واختصره بعض المؤلفين في مختصر مطبوع اسمه مختصر شعب الإيمان، وأوصله إلى تسع وسبعين أو ثمان وسبعين خصلة، وجعل منها الأعمال اليدوية والبدنية ونحوها، ومنها: إماطة الأذى عن الطريق وما أشبهها.
فعرفنا بذلك أن هذا القول هو الأقوى، وعليه الأدلة.