من عقيدة المسلمين أنهم يصفون إلإنسان بما يظهر منه، فإذا أظهر خيراً أحبوه، وإذا أظهر سوءاً أبغضوه، ومع ذلك فإنهم إنما يحكمون بالظاهر، وقد جاء عن عمر أنه قال: إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم بالظاهر، فمن أظهر لنا خيراً أحببناه وقربناه، ومن أظهر لنا سوءاً أبعدناه وأبغضناه، وليس لنا من أمره -أي: من باطن أمره- شيء، والله تعالى هو الذي يتولى السرائر.
وبناءً على هذه القاعدة فإننا نحب المؤمنين الذين أظهروا لنا الخير ودانوا به، وأظهروا العمل الصالح وأظهروا السنة، وظهر لنا منهم أنهم من أهل الدين ومن أهل الصلاح، وعملوا لله بما يحبه الله وبما فرضه عليهم، فنحبهم، ونشهد لهم بالخير، سواء كانوا ممن أدركنا أو ممن سبقنا، فندعو لهم بالمغفرة والرحمة، كما وصف الله المؤمنين بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ، فوصفهم الله بأنهم يحبون من هاجر إليهم، ويحبون من سبقهم من المؤمنين، ويدعون لهم بالمغفرة والرحمة، ويدعون الله بأن ينزع من قلوبهم الغل والحقد والحسد والبغضاء والشنآن لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، فهذه صفة المؤمنين.
وإذا كان كذلك فإنهم بضد ذلك في حق الفسقة والمشركين والمنافقين والمعاندين، فإذا رأوا أهل الفساد وأهل السوء وأهل المنكر أبغضوهم ومقتوهم، وعاملوهم بما يظهر منهم من السوء والفحش والكلام القبيح، وحذروا من فعلهم، ومقتوهم على هذا، ولو كانت قلوبهم نقية؛ فليس إليهم معرفة ما في القلوب.
فأهل الفساد وأهل الشرور وأهل البدع إذا أظهروا بدعهم وأظهروا معاصيهم وأعلنوها؛ فإننا نبغضهم، ونمقتهم، ونحذرهم، ونحذر منهم، ويكون بغضنا لهم بغضاً في ذات الله، ولا نبغضهم لأجل أهوائنا، ولا لأجل مصالحنا، ولا لأجل أنهم تنقصونا أو عابونا أو ما أشبه ذلك، بل يكون الحامل لنا على بغضهم الغيرة لله، والغيرة على شريعته ودينه، والحماية لتعاليمه، ويكون من أثر هذا البغض وهذا المقت البعد عنهم، والحذر من شرهم ومن سوئهم، والتحذير من أن ينخدع أحد بدعاياتهم وبتضليلاتهم، وبمعاصيهم وفسوقهم الذي يدعون إليه والذي ينشرونه، والذي يظهرونه، ثم يزعمون أنهم على حق، وأن الصواب في جانبهم.
وتقدم لنا أن من عقيدة أهل السنة أنهم يرجون النجاة لأهل الخير، ولا يجزمون لهم بالجنة، ويخافون على أهل الشر من العذاب، وإن لم يجزموا لهم بالنار، ولكن يكون من آثار معرفتهم أن هؤلاء من الصالحين، سواء أدركوهم أو سبقوهم، أنهم يحبونهم، ويحثون على مثل أعمالهم، وإن لم يشهدوا لهم بأنهم من أهل الجنة؛ لأنهم لا يعلمون ما في القلوب.
كذلك من آثار معرفتهم لأهل المعاصي أنهم يحذرونهم ويحذرون منهم، وإن لم يشهدوا لهم بالنار، كما أنهم يخافون عليهم من عذاب الله، وإن لم يجزموا لهم بالعذاب، فهم إذا أنكروا عليهم ومقتوهم حذروا من شرهم، وحذروا من أفعالهم، وبينوا أخطاءهم، وقالوا: إنهم قد وقعوا في هذا الخطأ، فإياكم أن تساعدوهم على خطئهم، أو توافقوهم، أو تفعلوا كفعلهم؛ فينسب إليكم من الخطأ ما نسب إليهم أو ما وقعوا فيه.
وهكذا طريقة أهل الخير: أنهم يحذرون من الشر ويحذِّرون منه.