هناك قسم آخر قد قطعوا رجاءهم، وقطعوا طمعهم في الرحمة، واستسلموا للعذاب في نظرهم، ولا ندري هل هم صادقون أم هم مستهزئون؟ فإنك إذا جئت إلى بعض من عاش على السيئات والكفريات وترك القربات، ونصحته قائلاً: تب إلى الله، وأقبل عليه، واترك ما أنت عليه من التمادي في الغفلة، واترك الذنوب، وأكثر من الحسنات.
فإنه يمتنع ويقول: أنا قد أذنبت، وقد كفرت، وقد أسأت، وقد ارتكبت من الخطايا كذا وكذا شربت الخمور زنيت قتلت أكلت الحرام فعلت وفعلت، فلا تنالني الرحمة، ولا حيلة لي فيها، ولست من أهلها، بل أنا من أهل النار.
هكذا ينقل عن بعضهم.
ولعل هؤلاء من الذين يستهترون بمن ينصحهم، ويتهاونون بنظر الله عز وجل، أو ينكرون أن يكون هناك عذاب دنيوي وعذاب أخروي، فيقولون هذه المقالة لرد ذلك الذي ينصحهم، ولعدم قناعتهم بما يقوله.
فنقول: لا شك أن هذا كفر أو يئول إلى الكفر، وذلك هو اليأس، قال تعالى: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87] ، هؤلاء قد يئسوا من الرحمة، وقطعوا رجاءهم، ووقعوا في القنوط، وقد قال تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56] والقنوط هو: قطع الرجاء، فهم قد قطعوا رجاءهم كلياً من الرحمة، وكأنهم يقولون: لا تنالنا الرحمة، ولو كانت رحمة الله واسعة فذنوبنا أكبر من أن تنالها، وذنوبنا أكبر من أن تغفرها، قد كفرنا، وقد أسأنا، وقد أذنبنا، وقد ارتكبنا، وقد فعلنا وفعلنا، فذنوبنا كبيرة لا تصل إليها رحمة الله!! فيبقون على ما هم عليه من الكفر والضلال والفسوق والمعاصي، ويتمادون فيها، ويموتون وهم مصرون على ذلك، وكأنهم ممن يئسوا من الخير وقطعوا رجاءهم، فهؤلاء وقعوا في هذه المرتبة القبيحة التي هي اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله.
وبكل حال: فإن المسلم ولو وقع فيما وقع فيه من المعاصي فإن الله تعالى يكفر عنه السيئات بالأسباب التي ذكرناها آنفاً، وإذا حقق العقيدة والتوحيد قبل الله عز وجل منه، وتاب عليه، ورحمه وهو أرحم الراحمين، أما إذا تمادى في عصيانه فقد أقدم على العذاب والعياذ بالله.