قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [السبب الثالث: الحسنات؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، فالويل لمن غلبت آحاده عشراته، وقال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] ، وقال صلى الله عليه وسلم.
(وأتبع السيئة الحسنة تمحها) .
السبب الرابع: المصائب الدنيوية، قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا غم ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه) ، وفي المسند: (أنه لما نزل قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] قال أبو بكر: يا رسول الله، نزلت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءاً؟ فقال: يا أبا بكر! ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به) .
فالمصائب نفسها مكفرة، وبالصبر عليها يثاب العبد، وبالسخط يأثم، والصبر والسخط أمر آخر غير المصيبة، فالمصيبة من فعل الله لا من فعل العبد، وهي جزاء من الله للعبد على ذنبه، ويكفر ذنبه بها، وإنما يثاب المرء ويأثم على فعله، والصبر والسخط من فعله، وإن كان الثواب والأجر قد يحصل بغير عمل من العبد، بل هدية من الغير، أو فضل من الله من غير سبب، قال تعالى: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] ، فنفس المرض جزاء وكفارة لما تقدم.
وكثيراً ما يفهم من الأجر غفران الذنوب، وليس ذلك مدلوله، وإنما يكون من لازمه.
السبب الخامس: عذاب القبر.
وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
السبب السادس: دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات.
السبب السابع: ما يهدى إليه بعد الموت من ثواب صدقة أو قراءة أو حج، ونحو ذلك، ويأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.
السبب الثامن: أهوال يوم القيامة وشدائده.
السبب التاسع: ما ثبت في الصحيحين: (أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة) .
السبب العاشر: شفاعة الشافعين، كما تقدم عند ذكر الشفاعة وأقسامها.
السبب الحادي عشر: عفو أرحم الراحمين من غير شفاعة، كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، فإن كان ممن لم يشأ الله أن يغفر له لعظم جرمه، فلابد من دخوله إلى الكير، ليخلص طيب إيمانه من خبث معاصيه، فلا يبقى في النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، بل من قال: لا إله إلا الله، كما تقدم من حديث أنس رضي الله عنه.
وإذا كان الأمر كذلك امتنع القطع لأحد معين من الأمة، غير من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولكن نرجو للمحسنين، ونخاف عليهم] .
هذه هي أسباب رحمة الله ومغفرته، ومحوه للسيئات، وإزالته لأثرها، تقدم السبب الأول وهو: التوبة النصوح، وأن التوبة تمحو الذنوب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وتقدم السبب الثاني وهو: الاستغفار، الذي هو طلب محو الذنوب وإزالة أثرها، وورد الأمر به في القرآن وفي الأحاديث.
وابتدأ بالسبب الثالث هنا، وهو: الحسنات والأعمال الصالحة التي تمحو السيئات، يقول الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] ، وسمعنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) ، فالحسنات لا شك أنها تزيل أثر السيئات، ولو كثرت السيئات؛ وذلك لأن الحسنات يضاعفها الله أضعافاً كثيرة، وأما السيئات فلا تضاعف، وإن كانت قد تعظم بسبب من الأسباب.
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحسنة تضاعف إلى عشر حسنات، يقول في الحديث: (إذا هم الإنسان بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها وعملها كتبها الله عنده عشر حسنات، وإذا هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإذا هم بها وعملها كتبت سيئة واحدة -زاد في رواية:- أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك) .
أخبر بأنه إذا هم بحسنة ولكن عاقه عائق فلم يعملها أثابه الله بنيته، وكتب همه حسنة، وإذا هم بسيئة فلم يعملها، بل تركها خوفاً من الله كتبها الله حسنة كاملة، وإذا عمل الحسنة فله عشر حسنات، وإذا عمل السيئة فله سيئة واحدة، فويل لمن غلبت آحاده عشراته، الذي تكثر سيئاته وهي واحدة واحدة، ثم تغلب حسناته التي هي عشرات، هذا هالك، ولا يهلك على الله إلا هالك.
فإذا كان الإنسان قد وقع في ذنوب، فإنه يؤمر بأن يكثر من الحسنات حتى تمحو أثر تلك السيئات، هذا سبب من أسباب تكفير السيئات.