ذكر أن الإيمان بالقدر من تمام الإيمان بصفات الله تعالى، وأنه واجب على الإنسان أن يؤمن بصفات الله، فيؤمن بأنه الخالق وحده، ويؤمن بأنه العليم والحكيم، وبأنه المدبر والمتصرف في الخلق، وذلك كله يتوقف على الإيمان بالقدر؛ لأن القدر إذا قلنا إنه يدخل فيه قدرة الله ويدخل فيه علم الله، فإنكار قدرة الله تعالى إنكار لصفاته ووصف له بالعجز سبحانه وتعالى، وبأنه يكون معه من يتصرف في الكون بدون رضاه، وذلك شرك.
كذلك إنكار علم الله وصف له تعالى بالجهل، وذلك أيضاً غاية التنقص، فمن آمن بأن الله على كل شيء قدير، وبأن الله بكل شيء عليم، آمن بأنه عزيز حكيم، وبأنه هو الذي نظم الخلق وهو الذي يتصرف في الكون وحده، وهو الذي يعلم السعيد والشقي والفاجر والتقي، وهو الذي قدر المقادير وأوجدها، فيلزمه والحال هذه أن يعلم أن هذه المصائب التي تحدث تحدث بعلم الله، وأنها متى وقعت فليس منها مفر ولا محيد، ولأجل ذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالإيمان بهذا الأمر بقوله: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره) ، وقال لـ ابن عباس في حديثه المشهور: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، يعني يبست الصحف مما كتب فيها، ورفعت الأقلام فلم يبق كتابة، بل الأمر قد فرغ منه وقد عرف أهل الجنة من أهل النار.
فالإيمان بالقدر من تمام الإيمان بالله، والذين أنكروه صنفان: صنف أنكروا العلم وصنف أنكروا القدرة، فالذين أنكروا العلم هم الغلاة الذين يقولون: إن الله لا يعلم الأشياء حتى توجد أو إنه يعلم الكليات دون الجزئيات، وهم غلاة المعتزلة قديماً؛ منهم عمرو بن عبيد ومنهم غيلان القدري ومنهم معبد الجهني، فهؤلاء موصوفون بأنهم من غلاة القدرية.
ثم جاء بعدهم المعتزلة الذين أخذوا منهم بعض الأشياء فأنكروا قدرة الله عموماً، ومنهم أبو الهذيل العلاف المعتزلي وأبو هاشم الجبائي ومنهم القاضي عبد الجبار الهمداني ومنهم الجاحظ المشهور وأشباههم، هؤلاء من المعتزلة الذين أنكروا قدرة الله، ولأجل ذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: (القدر قدرة الله) ، يعني أن الإيمان بقدرة الله إيمان بالقدر.