قال رحمه الله: [وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الإسراء:42] ، وفيها للمتأخرين قولان: أحدهما: لاتخذوا سبيلاً إلى مغالبته.
والثاني: -وهو الصحيح المنقول عن السلف كـ قتادة وغيره، وهو الذي ذكره ابن جرير ولم يذكر غيره-: لاتخذوا سبيلاً بالتقرب إليه كقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [المزمل:19] ، وذلك أنه قال: (لو كان معه آلهة) {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} [الإسراء:42] ، وهم لم يقولوا: إن العالم له صانعان.
بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] بخلاف الآية الأولى] .
في تفسيره لهذه الآية {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الإسراء:42] رجح أن السبيل هنا القربى، يعني: لو قدر أن هناك آلهة سوى الله لكانت تلك الآلهة تتقرب إلى الله، وتتوسل إليه وتبتغي السبيل إلى رضاه، وإذا كان كذلك فإن هذا هو الأولى بمن يتخذ تلك الآلهة.
وقد دل على ذلك أيضاً قول الله تعالى: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:56-57] يخبر بأن أولئك الذين تدعونهم -أيها المشركون! - خير منكم؛ فإنهم يدعون الله تعالى ويتوسلون إليه بالأعمال الصالحة.
والحاصل أن الآية صريحة بأنه ليس هناك آلهة غير الله، فلو كان هناك آلهة إلا الله لكانت تلك الآلهة تتقرب إلى الله وتبتغي الوسيلة إليه وتعبده وتوحده.
والصحيح أنها لا تصلح إذا كانت كذلك لأن تكون آلهة؛ إذ كيف يكون إلهاً من هو عبد لغيره؟ كيف يصلح أن يعبد من هو عابد لغيره؟ إذا كانت تعبد الله فما لك -أيها الإنسان- تعبدها؟ اعبد الذي هي تعبده وحده.