ويبقى ما ذكر من توسل عمر رضي الله عنه بـ العباس، وكثيراً ما يستدل به القبوريون فيقولون: كيف تعيبون علينا أن نتوسل بالصالحين وهذا عمر توسل بـ العباس؟! نقول: تأملوا قصة عمر حتى تعرفوا ما فعله وما تفعلونه، والفرق الكبير بين فعلكم وفعله! فقد كان العباس بن عبد المطلب كبيرَ السن تقياً زاهداً، قريبَ الصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فلأجل هذه الأسباب قدموه ليدعو، فقال عمر: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا) .
يعني: نتوسل بدعائه، وهو حي بين أيديهم، فقدموه ليؤمنوا على دعائه ليسأل الله تعالى، فكأنهم يقولون: اللهم تقبل دعاءه فإنه من عبادك الصالحين.
ويجوز في كل وقت إذا خرجنا نطلب المطر أن نختار أتقانا ونقدمه يدعو ونؤمِّن على دعائه، فإنه أولى وأقرب إلى إجابة دعائنا، ونقول: يا ربنا! هذا عبدك الصالح قدمناه، ونحن نؤمِّن على دعائه، نسألك أن تجيب دعوته لنا، نسألك أن ترحمنا بدعائه وبدعائنا.
فهذا ليس فيه محذور، وأي توسل بغير الله فيه؟! وهؤلاء القبوريون يتوسلون بالأموات، ولو كان جائزاً لما عدل عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أبي بكر، وكيف يعدل عنهما وهما أفضل من العباس؟ فلما عدل عنهما إلى العباس دل على أنه استقر في علمه أنه لا يجوز التوسل بالأموات، ولا بالغائبين حتى ولو كانوا أنبياء، وحتى ولو كانوا أولياء، وحتى ولو كانوا شهداء أو صالحين.
ومعلوم أن حمزة بن عبد المطلب أفضل من العباس وأقدم منه إسلاماً، وقتل شهيداً في سبيل الله وهو مقبور عندهم بالمدينة، فلماذا لم يذهبوا إلى قبره؟! ولماذا لم يتوسلوا به ويقولون: نتوسل إليك بـ حمزة بن عبد المطلب؟! ولماذا لم يأتوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا محمد استسقِ لنا؟! فإذاً لا دلالة في أنه يجوز الاستسقاء بالولي الميت أو الولي الغائب، بخلاف الحي السوي الفاضل الذي يدعو ويؤمِّنون على دعائه ويسألون ربهم أن يجيب دعاءهم معه، فهذا لا محذور فيه، وهذا هو الذي فعله العباس.