أما حديث معاذ الذي ذكر فالحق فيه حق تفضل وحق تكرم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) ، فحقٌّ علينا وعلى العباد كلهم لله تعالى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
وحق العباد على الله ألَّا يعذب من لا يشرك به شيئاً، فهذا ليس حق وجوب، بل هو حق تفضل وحق تكرم، وذلك لأنه الذي وفقهم وأنعم عليهم، ثم هو وعدهم -وهو لا يخلف الميعاد- أن من وحده فإنه يثيبه وينعِّمه، وأنه لا يعذبه إذا مات على التوحيد الصحيح الصادق، فهذا حق تكرم.
وإذا كان كذلك فليس خاصاً بنبي ولا بولي ولا بغيره، ويقال: إذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم حق على الله فأنت كذلك لك حق، فائت بسببه، أنت لك حق تكرم على الله فائت بسببه، وهو أن توحد الله ولا تشرك به شيئاً، ولا تلتفت بقلبك إلى أي مخلوق، ولا تتعلق بسيد ولا ولي ولا شفيع ولا غيرهم، وتعلق بربك حتى يرحمك وحتى ينعِّمك ولا يعذِّبك، فبذلك تكون من الذين استحقوا على الله حق تكرم.
والبيت الذي ذكر يؤيد أن هذا حق تكرم، وهو قولهم: ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع إن عُذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع فيقول هذا الشاعر: إن العباد ليس لهم عليه حق -يعني: حق وجوب- وإن سعيهم وأعمالهم الصالحة لا تضيع، بل هي محفوظة يحصيها ثم يوفيهم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فهذا حق تكرم.
ولا يعذبهم ظلماً، إنما يعذبهم عدلاً لكونهم يستحقون العذاب.
يعني: هو الذي تفضل عليهم وهداهم، فهدايته لهم نعمة، ولو أن الله تعالى عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهم يستحقون العذاب، ولا يكون ظالماً لهم، ولو أنه أنعم عليهم لكانت نعمته عليهم أفضل من أعمالهم.