قال الشارح رحمه الله: [ومنها: أن يقال: إنه إذا لم يحصل المفسد الخارج ولا المصلح الخارج كانت الفطرة مقتضية للصلاح؛ لأن المقتضي فيها للعلم والإرادة قائم والمانع منتف] .
هذا قد يتصور في إنسان نشأ وحده في برية أو في بلدة أو بين أناس لا يعرف كلامهم ولا يعرفون كلامه، فينشأ وليس هناك أحد يعلمه الخير ولا أحد يعلمه الشر، لكن معه الفطرة، وهي أن الله فطره على الإسلام، فلابد من أن يكون معه دافع يدفعه إلى أن يعرف الكون، ويعرف ماذا يراد بهذا الكون، فإذا قدر أنه ليس هناك مفسد ولا مصلح فإن الفطرة ميالة إلى طلب المصلح، فيندفع إلى طلب الخير.
أما إذا ولد المولود ونشأ في بلدة أهلها يعرفون الخير ولقنوه إياه، وقالوا: عبادة الله هي الأصلح، وأنت مخلوق لها -كما قال تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فإنه يعرف ذلك، ثم يتلقى العبادة.
وكذلك لو ولد بين أناس مشركين، وقالوا له: التعلق بهؤلاء الصالحين ينفع، وهؤلاء مقربون عند الله، ونحن ندعوهم حتى يكونوا شفعاءنا عند الله، ونحو ذلك، فصدقهم وفعل كفعلهم وذلك لأنه ساذج لا يدري إلا بما علموه.
كذلك إذا ولد ونشأ بين نصارى يقولون: المسيح هو الله أو ابن الله صدقهم واندفع إلى ما يقولونه، وهكذا، بخلاف ما إذا ولد ليس عنده من يعلمه لا بدعة ولا سنة، ولا إسلام ولا كفر، فإنه يبقى متحيراً ولكن فطرته تدفعه إلى معرفة الإسلام أو محبته وتفضيله على غيره.