فمن عقيدة أهل السنة أن القرآن كلام الله، وأن الكتب المنزلة على الأنبياء كلها كلام الله، وأن الله تعالى أقام بها الحجة على العباد، وأنه ضمنها شرائعه، وأنه أنزلها معجزة لأنبيائه، وأنها كلامه حقاً حروفاً ومعاني، هذه العقيدة الراسخة التي يعتقدها أهل السنة.
ولا عبرة بمن أنكر كلام الله، أو أنكر صفة من صفاته الثابتة، سواءٌ أكانت صفة فعلية أم صفة ذاتية، وذلك لما قام عندهم من الشبهات التي شككوا بها على من انتحل تلك النحل واعتقد تلك العقائد الزائغة؛ حيث إن عقيدة أهل السنة مبنية على الأصل الذي هو النقل الصحيح والفطرة السليمة، وقد أيدوا ذلك بأن هذا القرآن أنزله الله معجزة لأنبيائه، وأنه ضمنه شرائعه، وأنه بعث به رسله وأمرهم بأن يبلغوا ما نزل إليهم، وجعل وظيفتهم البلاغ، فقال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ} [الشورى:48] ، وقال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ} [المائدة:99] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] ولأجل ذلك سموا رسلاً؛ لأنهم بعثوا من ربهم، أرسلهم وجعل شرائعهم رسائل، فالشرائع التي جاءوا بها سماها رسائل حيث إنهم حملوها من ربهم.
فالرسل هم الأنبياء، والرسائل هي الشرائع، والمرسل هو الله تعالى، والمتضمن لذلك هو القرآن الذي ضمن هذه الشريعة، فمن صدق به عرف أنه كلام الله الذي أرسل به رسله وقبله وعمل بما فيه، ومن شك فيه أو توقف فيه ولم يقبله حق القبول ويعمل به حق العمل فهو زائغ.
وقد أثبت أهل السنة أن صفة الكلام صفة كمال، وأن نفيها نقص، وردوا على المعتزلة الذين قالوا: إن الله لا يتكلم أصلاً، وإن هذا القرآن مخلوق.
وردوا أيضاً على من يقول: إن كلام الله هو المعنى دون اللفظ، وإن كلام الله نفسي.
أي: من يجعلون القرآن حروفاً مخلوقة أو عبارة عن كلام الله، وأن الكلام هو المعنى دون اللفظ، وهذا يقوله الأشاعرة، وتقدم أنهم يستدلون ببيت الأخطل الذي يقول فيه: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ورد عليهم الشارح بأن هذا بيت مختلق لا يصلح أن يكون دليلاً، لم يقله الأخطل وليس في ديوانه، وقيل إنه إنما قال: (إن البيان) ، ويتعجب الشارح من استدلالهم بهذا البيت الذي ليس له سند، ولا يروى بإسناد صحيح، مع أنهم يردون أحاديث الصحيحين، ويقولون: إنها أخبار آحاد، وهذا البيت أقل مرتبة من أخبار الآحاد.
ويرد عليهم أيضاً أنه على تقدير ثبوته فإنه بيت لرجل نصراني، والنصارى لا يقبل كلامهم في هذا الباب؛ وذلك لأنهم ضلوا في مسمى الكلمة، فادعوا أن عيسى هو نفس الكلمة تعالى الله عن قولهم، فعلى تقدير ثبوته عن الأخطل فقد قاله على معتقده، فلا يصير دليلاً لأهل السنة.