أهل السنة يعتقدون أن جميع أهل الأهواء مبتدعون، ويقولون: عليكم جميعاً أن ترجعوا إلى الأصل، فلو رجعتم إلى الأصل والشريعة، وإلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدتم أنها طريق واحدة بلا تثنية، وذلك مذكور في حديث التفرق، فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الفرقة الناجية: (من هي؟ فقال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) .
ومعلوم أن سنة الصحابة وطريقتهم مجتمعة، وأنهم -والحمد لله- لم يكن بينهم اختلاف تضاد في الدين، ومعلوم أن ما كانوا عليه محفوظ مدوَّن قد يسر الله من العلماء من نقل عنهم أقوالهم وأفعالهم التي يتعبدون بها ويدينون بها، فعلينا أن نحرص على الاقتداء بسنتهم، وأن نترك كل المحدثات التي جاءت من بعدهم، ونعلم أنها بدع وضلالات.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على التمسك بسنته، في آخر حياته وعظ الصحابة رضي الله عنهم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقال الصحابة: (كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ تمسكوا بها، وعَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة) .
فأمرهم أن يتمسكوا بالسنة بالأيدي، وكأنها شيء يُمسك بالأيدي، وإذا خافوا أن تتفلت من أيديهم عضوا عليها بالنواجذ التي هي أقصى الأسنان، وهذا أقصى شيء يمكن التمسك به، ألَّا يجد إلَّا أقصى أسنانه يُمسكه ويعض عليه به حتى لا يتفلت منه، وذلك لوجود من يحاول انتزاعه، فإن هذه السنة التي أنت متمسك بها هناك من يحاول أن ينتزعها منك، ويريد أن يبطلها، وذلك بما يلقي في قلبك من الشبهة والتشكيك والتوهمات، حتى يُضعف تمسكك، فإذا كنت متمسكاً تمسكاً قوياً فلن يستطيع أن يتغلب عليك، وأخبر بأن كل محدثة بدعة، وأن السنة طريقة واحدة.
وكان مما حُفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكرر قوله: (إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) هكذا كان يخطب على المنبر على رءوس الأشهاد، يحث على هديه، وعلى التمسك بكتاب ربه، وينهى عن المحدثات في دين الله.
وكذلك يخبر بأن دينه لا يجوز تغييره، ولا الزيادة فيه، ولا النقص فيه، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، والكلام في هذه المسألة معروف وطويل.