أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبث كسب الكهنة في قوله: (مهر البغي خبيث، وثمن الكلب خبيث، وحلوان الكاهن خبيث) وحلوان الكاهن هو: ما يبذل له إذا أخبر، فإذا جاءه إنسان وقال: أخبرني بمكان دابتي التي فقدت، أخبرني بمكان مالي الذي سرق أو نحو ذلك، فيستوحي من شيطانه ويقول: دابتك في الشعب الفلاني، وعلامتها أن فيها كذا وكذا ونحو ذلك، فيعطى مالاً على إخباره، فهذا المال الذي أعطيه يعتبر خبيثاً، ونسميه سحتاً وأي سحت.
وذلك لأنه أخذه على شيء محرم، وهو ادعاء علم الغيب.
ويدخل في ذلك من يسمى بالمنجم، ومن يسمى بالعراف، وكذلك الساحر، فهؤلاء: الكاهن، والساحر، والعراف، والمنجم، والرمال، والضراب، ونحوهم؛ كلهم يتدخلون فيما لا يعنيهم، فأما الكاهن فهو الذي يدعي معرفة المغيبات، ويخبر عما في الضمير، يقول: هذا يحدث نفسه بكذا، أو يخبر بمكان مسروق، يقول: مالك المسروق في المكان الفلاني، في البيت الفلاني، فتخبره شياطينه.
أما المنجم، فهو الذي يدعي علم الغيب بسير النجوم، يقول: علامة المطر أن يكون هذا النجم في المكان الفلاني في الليلة الفلانية فينزل مطر، أو ينزل برق، أو ما أشبه ذلك، وهذا بلا شك تدخل في علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وكذلك ادعاء أن هذه النجوم هي التي تنزل المطر.
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه مرة في الحديبية، فلما انصرف من الصلاة -وكان قد أصابهم مطر في تلك الليلة- قال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا -النوء: النجم الذي ينوء أي: يطلع- فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب) أي: جعل الكوكب هو الذي يؤثر في الكون، وهو الذي يثير السحب، وهو الذي ينزل المطر، وذلك كله حق الله تعالى، فهو الذي ينفرد بذلك، يقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف:57] ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم:46] يعني: تبشر بالرحمة وبالمطر، فيرسل الله الرياح فتثير السحاب، ويحمل الله السحاب ماء فيصرفه الله تعالى حيث يشاء، وينزله حيث يشاء: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان:50] صرفناه يعني: جعلنا المطر على هذه الأرض أكثر، وعلى هذه أقل، كيف يشاء الله تعالى.
إذاً: فليس للكواكب تأثير، فمن ادعى أن النجوم لها تأثير فإنه ممن يتدخل فيما لا يعنيه، ويقول على الله تعالى بغير علم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) فالفخر بالأحساب: كون الإنسان يفتخر بآبائه وبأجداده الذين ماتوا، وقد ورد في الحديث: (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا أو ليكونن أهون على الله من الجعل) ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى) .
والطعن في الأنساب: هو العيب فيه، بأن يقول هذا ليس ابناً لفلان، أو ليس من آل فلان، أو نحو ذلك.
والاستسقاء بالنجوم: هو أن يقال: مطرنا بنوء كذا وكذا، هذا النجم فيه كذا، وكان الجاهلية يقولون: هذا نوء كذا وكذا، والنوء: هو النجم الذي ينوء يعني: يطلع، فكذبهم الله فقال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] أي: الرزق الذي ينزله الله تعالى على عباده تجعلونه من غير الله، تجعلون رزقكم الذي سخره الله لكم ورزقكم إياه، تجعلونه منسوباً لغيره، فتنسبونه إلى النوء، وإلى النجوم، ولا شك أن النجوم مذللة ومسخرة.