قال المصنف رحمه الله: [قوله: (ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً، ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة) .
روى مسلم والإمام أحمد عن صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) .
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) .
والمنجم يدخل في اسم العراف عند بعض العلماء، وعند بعضهم هو في معناه.
فإذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالمسئول؟ وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن عائشة قالت: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان؟ فقال: ليسوا بشيء فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة) .
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث) .
وحلوانه: الذي تسميه العامة حلاوته.
ويدخل في هذا المعنى ما يعاطاه المنجم وصاحب الأزلام التي يستقسم بها، مثل الخشبة المكتوب عليها (أب ج د) والضارب بالحصى، والذي يخط في الرمل، وما يعاطاه هؤلاء حرام.
وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء، كـ البغوي والقاضي عياض وغيرهما.
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليل، فقال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) .
وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) .
والنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر الأئمة، بالنهي عن ذلك أكثر من أن يتسع هذا الموضع لذكرها] .
قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:221-223] ، وفي الحديث: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: (ليسوا بشيء) يعني: كذبة، ليسوا على يقين، ولا على دين، فقال الناس: إنهم يحدثوننا بالأمر فيكون حقاً، فيقولون: في اليوم الفلاني يحصل مطر، أو رعد، أو صواعق، أو ريح، مع أنه قد يحصل في اليوم الفلاني أن يمرض فلان، أو يموت فلان، أو ما أشبه ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك الكذبة تخطفها الشياطين فتلقيها على ألسنة الكهنة، فيزيدون فيها أكثر من مائة كذبة) .
وفي حديث أبي هريرة المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما يشاء، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر على سماءٍ سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقول الناس: أليس قد قال لنا: يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكذبة التي سمعت من السماء) يعني: أن الناس لا يعتبرون بمائة كذبة، ولكن يصدقون الكذب الكثير لتلك الكلمة التي اختطفها الجني من السماء، فيصدقونه بما يخبرهم به مما تلقيه عليه شياطين الجن.
وهؤلاء الكهنة الذين هذا حالهم ما حكمهم؟ في صحيح مسلم عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، وذكر العلماء أنه إذا تاب وندم فإنها تجزيه ولا يعيدها، ولكن عقوبته على فعله أنها لا تقبل منه، سيما إذا أتاه وهو يقدسه، ويرفع مكانته، ويعترف بميزته أو بفضله، أو نحو ذلك.
وعن عمران بن حصين وعن غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) وهذا أشد من الحديث الذي قبله، ولعل السبب أن هذا صدقه بكل ما يقول، صدقه في هذه المسألة وغيرها، واعتقد أنه صادق، وأن له ميزة وخصوصية، أو اعتقد أنه ملهم، أو اعتقد أنه ينزل عليه وحي، أو اعتقد أنه يعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فعقوبة هذا الذي صدقه في كل ما يقول أنه يحكم بكفره، فيحكم بكفر السائل للكاهن المصدق بكل ما قال.
يقول الشارح رحمه الله: إذا كانت هذه حالة السائل، فكيف بحالة المسئول؟! الذي هو الكاهن، فإن كفره أشد، وخروجه من الإسلام أبعد وأبعد، فالسائل المصدق بما يقول حكم بكفره، قيل: معناه أنه كفر بما أنزل في أمور الغيب، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله، فالأمور المغيبة علمها عند الله، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) يعني: لا أعلم المغيبات، وقال في آية أخرى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188] ، وقال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] ، فإذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي: لا أعلم ما في القلوب، ولا أعلم الأمور المغيبة، إنما الذي يعلمها الله وحده (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) ؛ فكيف بحال غيره من هؤلاء المتكهنة ونحوهم؟! فهذا حكم السائل، وهذا حكم المسئول.