خروج الدجال من الأمور الغيبية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ووردت الإشارة إليه في القرآن؛ فكان من الإيمان بالغيب التصديق بخروجه؛ لأن الله مدح الذين يؤمنون بالغيب، أي: بما أخبروا به ولم يشاهدوه.
ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات -وذكر منها- خروج الدجال) وهو الأعور الكذاب الذي يخرج في آخر الزمان، ويدعي أنه الرب، ويفتن به خلق، فيأتي إلى القرية فإذا عصته أصبحوا ممحلين، وإذا أطاعته أصبحوا منعمين، عقوبة وفتنة، ويدعو القرية الخربة فيتبعه ذهبها كيعاسيب النحل، واليعسوب هو: ذكر النحل الذي يتبعه بقية النحل.
وأخبر عليه الصلاة والسلام أن هذا الدجال يبقى أربعين يوماً، ولكنها مختلفة، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وباقي الأيام كأيامكم، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك اليوم الطويل هل يكفيهم فيه خمس صلوات، فقال: (لا، اقدروا له) أي: اقدروا لكل صلاة ما بينها وبين الأخرى ثم صلوا.
وكذلك أخبر أن الدجال يقتله المسيح ابن مريم بباب لد، وهو موضع في الشام، فإذا رأى المسيحُ ابن مريم الدجالَ ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله ويزول بذلك أثره، بعدما يفسد في الأرض.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة من الشيطان، ويكثر أن يستعيد من أعوان الشياطين ومنهم هذا الدجال الذي هو المسيح الدجال المنتظر، فيقول: (إذا تشهد أحدكم فليعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال) أي: تقول: أعوذ بالله، أو: اللهم إني أعوذ بك وتذكر هذه الأربع في آخر التشهد، ومن جملتها المسيح الدجال، من شر فتنته ومن شر أذاه.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ذكر له علامة، وهي: أنه أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، ومعروف أن العنبة إذا أخذ ماؤها بقيت ملتصقة قشرتها بعضها ببعض، فعينه حدقتها منطفئة، فهي ملتصق جلدها بعضه ببعض، مثل العنبة إذا أخذ ماؤها.
وكذلك أخبر أنه مكتوب بين عينه: كافر، حروف مقطعة منفصلة: (ك) و (ف) و (ر) ، يقرأها كل من نظر إليه من أهل الإيمان، وإن لم يكن قارئاً؛ حتى لا ينخدع به.
ولكثرة الأحاديث التي وردت في الاستعاذة منه، وفي بيان شره؛ جعله العلماء من أشراط الساعة، وصاروا يحذرون من شره، ولكن مع الأسف أن بعض المعاصرين أنكروه لما رأوا أن الواقع لا يساعد عليه، فصاروا يتأولون الأحاديث التي وردت فيه، ويصرفونها عن ظاهرها، حتى قال بعضهم: إن المراد بالدجال الشرور التي تحصل في آخر الزمان، والمنكرات، وغفلوا عن قوله عليه السلام: (إنه أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية) ، وغفلوا عن أنه يدعو الناس ويفتنهم، وأنه يسلط على البلاد كلها، ما عدا مكة والمدينة، فإن الله يجعل عليهما ملائكة يحمونهما منه، ولكن المدينة ترجف ثلاث رجفات، فيخرج إليه من كان منافقاً، وغفلوا أيضاً عن أوصافه التي وصف بها، من أن بين عينيه كافر، ومن أنه إنسان يجول ويتقلب في البلاد، وأنه يسير بسرعة السحاب، فيقطع الأرض بسرعة.
هذا وكثير مما يكون معه من الخوارق هي من الأحوال الشيطانية، فإن هذه التي تجري على يديه أحوال شيطانية، حتى إنه يقطع الرجل قطعتين ثم يقول له: قم، فيقوم، وأنه إذا عصته أهل قرية أصبحوا ممحلين، قد جفت بلادهم، وإذا أطاعته بلدة أصبحوا في رفاهية ونعمة، وذلك دليل على أنه فتنة يخرجها الله للناس حتى يفتن بها العباد، فمن ثبته الله ورزقه علماً وبصيرة لم يزدد بأمره إلا بصيرة، ومن أراد الله فتنته فإنه ينخدع به.
وقد أكثر العلماء من الكلام عن المسيح الدجال، وعن المسيح ابن مريم، وذكروا عليهما أدلة كثيرة، وقد تكلم ابن كثير رحمه الله عن ذلك في آخر تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159] ، فأطال الكلام في ذكر المسيح ابن مريم ونزوله، والآيات التي تدل على خروجه، وذكر الأحاديث، واستقصى غالباً ما ورد في ذلك.
وأما ذكر المسيح الدجال فذكره رحمه الله في النهاية التي في آخر تاريخه، أي: في ذكر أشراط الساعة، وأطال في ذلك، وكذلك ألفت كتب في ذلك كثيرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين، ومن أوفى من كتب في ذلك الشيخ حمود التويجري في كتابه المشهور الذي يسمى: إتحاف الجماعة في أشراط الساعة، فإن الجزء الثاني كله يتعلق بالأشراط المذكورة في هذه الكلمات، وقد توسع فيها، وأورد كل ما وقف عليه أو يصله من إيراد، وهكذا غيره، فنؤمن بهذه الأشياء وإن لم نرها.