ابتدأ الطحاوي رحمه الله وكذا الشارح في ذكر أشراط الساعة، وأن أهل السنة والجماعة يصدقون بما ذكر منها في القرآن، وما ذكر منها في السنة في الأحاديث الصحيحة الثابتة التي لا تردد فيها، فأما ذكر المسيح ابن مريم وأنه يخرج في هذه الأمة، فورد في تفسير قول الله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:159] أن معنى هذه الآية: أن من أهل الكتاب من يدركونه فيؤمنون به قبل موته، أي: إن منهم إلا سوف يؤمنون به، ومتى يؤمنون به؟ إذا خرج في آخر الدنيا؛ وذلك أنه ورد في الحديث خروجه فقال صلى الله عليه وسلم: (ليوشكن أن يخرج فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) فذكر له هذه الصفات: أنه يقتل الخنزير؛ وذلك لأن لحمه حرام، والنصارى يبالغون في أكله.
ويكسر الصليب؛ لأن النصارى يعبدونه، ويدعون أن عيسى قتل وصلب عليه، فيعظمونه لأنه صلب عليه ربهم أو ابن ربهم! تعالى الله عن قولهم.
وأنه يضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، وفي هذه الشريعة معلوم أن الكتابيين تقبل منهم الجزية ويبقون على دينهم، لكن عيسى في آخر الزمان لا يقبل الجزية، بل يقاتلهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا، وينصره الله ويظهره، ويفيض المال في زمانه حتى لا يقبله أحد، أي: يكثر المال بأيدي الناس، وذلك ببركة ينزلها الله تعالى، ففي بعض الأحاديث: (أن الله تعالى يبارك في الرسل -يعني: في اللبن- حتى تكفي اللقحة الفئام من الناس، ويبارك في الثمار، حتى يأكل الجماعة من الرمانة ويستظلون بقحفها) يجعلون قحفها -يعني: غلافها- كخيمة يستظلون به، وذلك من آثار البركة.