قال ابن عمر: كانوا يقولون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) ، وفي بعض الروايات: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان) يعني: أفضلهم وأقدمهم وأشرفهم وأولاهم هؤلاء، هذا هو القول الصحيح؛ أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ورُوي عن أبي حنيفة أنه كان يقدم علياً على عثمان؛ ولكن الصحيح عند أصحابه أنه يقدم -مثل جمهور الأمة- عثمان، وسمعنا الأثر الذي يقول: (من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار) يعني: تنقَّصهم وعابهم وثلبهم، وحطَّ من شأنهم، حيث إنهم اجتمعوا على تقديم عثمان خليفةً.
وسمعنا أيضاً أن عبد الرحمن بن عوف لما أخذ البيعة لـ عثمان قال لـ علي: إني نظرتُ في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بـ عثمان أحداً.
وهذا يدل على أن الصحابة في ذلك الوقت يعرفون قدر عثمان ويفضلونه.
وقد ذكرنا فيما سبق متى حدث التشيُّع، وأنه أكثر ما حدث في العراق، ولا شك أن أكثر من يذكر فضائل علي أهل العراق، ولكثرة ما يروى عنه من أحاديث وآثار في العراق فمَن يسمعها يعتقد فضله على عثمان، فلعل أبا حنيفة بسبب كثرة سماعه من يطري علياً، ويزيد من قدره، ويصفه بما ليس فيه، قال: إنه أفضل من عثمان، وإن كان القول الصحيح عن أبي حنيفة أنه يفضل عثمان كسائر أئمة السنة.
وقد ذكر ابن كثير في التاريخ في ترجمة سفيان الثوري -وهو من أهل العراق- أنه كان يميل إلى تفضيل علي على عثمان، ولعل ذلك لم يثبت عنه، وإذا رُوِي عنه شيء من ذلك فلعله كان يكثر من ذكر فضائل علي -لكونها منتشرة- في العراق، وكان أهل العراق في زمن الثوري قد ظهر فيهم شيء من الغلو ومحبة علي، وصاروا يبالغون في ذكر ما ينقلون عنه، ويتناقلون أحاديث قد يكون بعضها مكذوباً، ويكثرون في مجالسهم من ذكرها، فلعلها التي أثرت في أبي حنيفة وسفيان الثوري، وإلَّا فهما إمامان من أئمة أهل السنة.