قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [ (وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون) تقدم الحديث الثابت في السنن وصححه الترمذي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ولـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المزية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين، ولم يأمرنا بالاقتداء في الأفعال إلا بـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: (اقتدوا باللذَين من بعدي: أبي بكر وعمر) ، وفرق بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم، فحال أبي بكر وعمر فوق حال عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وقد روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على علي، وعلى هذا عامة أهل السنة، وتقدم قول عبد الرحمن بن عوف لـ علي رضي الله عنهما: إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بـ عثمان.
وقال أيوب السختياني: من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان] .
قد ذكرنا أن هؤلاء هم الخلفاء الراشدون، سماهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم خَلَفوه، وواحدهم خليفة، والخليفة هو الذي يخلف مَن بعده بخير، وقد سمى الله آدم خليفة بقوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] ؛ لأنه -كما قيل- خلفٌ عمن قبله، فكل من تولى أمراً هاماً وناب عمن قبله فهو خلف عنه، فـ أبو بكر اتفقوا على تسميته خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا ينادونه بذلك، ولما تولى عمر دعوه بقولهم: يا خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أن هذا شيء يطول فقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فاتفقوا على تسميته أمير المؤمنين؛ ولكنه في الحقيقة خليفة، فهو أول من سمي بأمير المؤمنين.
هؤلاء الأربعة سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بالراشدين، وهذا دليل على أنهم على رُشْد، والرُّشْد ضد الغَي قال تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة:256] والرشد هو الصلاح والخير، والغي هو الغواية والضلال، فهم راشدون على رشد، نشهد لهم بذلك كما شهد لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومن فضلهم أنه أمر باتباعهم في قوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين) أي: اتبعوها، إذا قيل: عليكم بكذا فالمعنى: خذوه، وسنتهم يعني: أعمالهم وطريقتهم التي ساروا عليها، هذه هي سنتهم، ونحن نعرف أنهم لم يبتدعوا سنة من قبل أنفسهم، بل يحرصون كل الحرص على أن يسيروا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن نسبت إليهم لأنهم أظهروها، فقيل: هذا سنة أبي بكر، يعني: الذي رواه وأظهره، ولو لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنهم لطول صحبتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قد حفظوا منه ما لم يحفظ غيرهم، وقد عرفوا من شريعته ما لم يعرف غيرهم، فلا جرم كانت سنتهم هي سنته صلى الله عليه وسلم.
وسمعنا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتداء بـ أبي بكر وعمر فقال: (اقتدوا باللذَين مِن بعدي: أبي بكر وعمر) ويؤخذ من هذا صحة خلافتهما، وأنهما اللذان بعده، وقدم أبا بكر في الذكر، فدل على أنه الذي يليه، والاقتداء هو التقيد بقوله وبفعله، (اقتدوا بهما) يعني: تقبلوا ما جاءا به، وتقبلوا أعمالهما وأقوالهما وطبقوها واعتبروها من الشريعة، وهذا يُرَد به على مَن رد أقوال الصحابة سيما الخلفاء الراشدين، وقد كان كثير من الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقدم قول الصحابة على اجتهاد مَن بعدهم، وكذلك إذا وقع بينهم اختلاف قدم قول الخلفاء الراشدين، وإذا وقع خلاف بين الخلفاء الراشدين قدم قول أبي بكر وعمر، ولا شك أن هذا دليل على معرفته بأنهم أهل للاتباع والاقتداء.
ونأخذ من هذا أنه صلى الله عليه وسلم نص على خلافة هؤلاء وأنهم هم الخلفاء الراشدون، أما ترتيبهم في الخلافة فالخليفة الأول هو: أبو بكر يقول الكلوذاني: قالوا فمَن بعدَ النبي خليفةً قلت الموحد قبل كل موحد قالوا فمَن ثاني أبي بكر رضاً قلت الخلافة في الإمام الزاهد قالوا فثالثهم فقلت مجاوباً: مَن بايع المختارُ عنه باليد قالوا فرابعهم فقلت مجاوباً: مَن حاز دونهمُ أخوة أحمد فهؤلاء هم الخلفاء، وهكذا ترتيبهم.