يعترف جميع أهل السنة بأفضلية عمر، ومن أهل السنة علي بن أبي طالب الذي تعظمه الشيعة، وترفع من قدره، وتعلي شأنه، وتغلو فيه الغلو الزائد، ومنهم من يدعوه من دون الله، فيزعمون أنه عدو لهؤلاء الخلفاء، وأنهم أعداء له، وأن من والى علياً فلابد أن يعادي أبا بكر وعمر فإنهما ضدان، ويقولون: لا ولاء إلا ببراء، بمعنى أنك إذا واليت علياً فتبرأ من أبي بكر وعمر؛ لأنه لا يمكن أن توالي هذا وهذا في آن، فإنهما ضدان مفترقان، فنقول: كذبتم، بل هما صاحبان، بل هما أخوان، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة كلهم إخوة، وعلي واحد منهم، يحبهم ويحبونه، ويصلي خلفهم ويتولى ولايتهم, ويأخذ أعطياتهم، ويجالسهم، ويؤانسهم، ويكلمهم، ويصحبهم، ولم يظهر لهم عداوة، ولم يقاطعهم، ولم يهجرهم، ولكنكم أنتم -أيها الشيعة- نكست فطركم، وتغيرت أفهامكم، ورأيتم الحق باطلاً والباطل حقاً، وصوبتم ما كان خطأً، وزعمتم عداوة بين الصحابة لم تكن، وإنما العداوة والبغضاء منكم، فأنتم أهل الحقد وأهل البغضاء، كيف تجعلون بين الصحابة بغضاء وهي لم تحصل ولم تكن؟ ما هي العلامات التي تدل على أنها حصلت بينهم؟ يذكر العلماء أن الآثار شبه متواترة عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول على المنبر (أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر) فيعترف بذلك ويصرح به على المنبر، سبحان الله! أين صرفت عقول هؤلاء الرافضة من هذا الأثر الذي يعتبر مشهوراً غاية الشهرة؟! ومع ذلك يخالفونه، فيكفرون ويشتمون ويسبون هذين الخليفتين اللذين يعترف إمامهم وقدوتهم -في زعمهم- بفضلهما.
وهذا ولده محمد ابن الحنفية وهو أيضاً ممن يغلون فيه؛ لأنه من أولاد علي، ولكن ليس كغلوهم في الحسن والحسين، فيسأل ابن الحنفية أباه ويقول: يا أبت! من أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقول مستغرباً: يا بني! أما تعرف؟! فيقول: لا، فيقول: أبو بكر، فيعترف علي بأن أفضل الأمة هو أبو بكر، ولفضله اتخذ والياً وخليفة عليهم، ولفضله سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يسأله: ثم من أفضل بعد أبي بكر؟ فيقول: عمر، وعلى هذا فـ عمر رضي الله عنه هو ثانيه في الخلافة، وهو ثانيه أيضاً في الفضل، يقول محمد بن الحنيفة: قلت: ثم أنت يا أبتي! خشي أن يقول: ثم عثمان، وأحب أن يكون أبوه له الفضل، ولكن علياً رضي الله عنه تواضع غاية التواضع، وقال: ما أنا إلا واحد من أفراد المسلمين أو كما قال، مع أن له الفضل، وقد اختلف العلماء من أهل السنة في تفضيل عثمان وعلي، والخلاف في ذلك ليس مخرجاً من الملة ولا يضلل به.