أرأيت؟ المرآة، مفعول به، فهي التي تمنح المرأة الوجه الجميل، والقصيدة في المفضليات برقم (40)، والبيت الشاهد في مجموعة أبيات من القصيدة، يصور فيها صورة رائعة للعداوة القاتلة، يكنها له صاحبه المنافق، وكيف يكبته ويقمعه، يبدأ بالبيت الشاهد:
ربّ من أنضجت غيظا قلبه … قد تمنى لي موتا لم يطع
البيت لعبد الله بن الحجاج الثّعلبي، من قطعة يخاطب بها عبد الملك بن مروان، ويعتذر إليه من صحبته لعبد الله بن الزبير، وكان قد خرج معه، شبه صبيتهم - لضعفهم عن الكسب - بحجل يتدرج من أماكنه ولا يطير؛ لعجزه عن الطيران. والشرّبّة: موضع.
والشاهد: «حجلى» جمع الحجلة، وهو طائر معروف، وفيه «أصيبية» تصغير «أصبية»، وقياس فعل أن يجمع على أفعله، مثل رغيف وأرغفة، لأنهم قالوا في جمع «صبيّ»:
«صبية» فلما صغّر ردّ إلى أصله فصغره على «أصبية» ومثله غلام وغلمة، يصغر «أغيلمة»، وجمع القلة من
جموع التكسير، يصغّر لفظه، ولا يرد إلى مفرده. [شرح المفصل ج 5/ 21، و 134، واللسان «حجل»].
ورووا أن الشاعر لما قال لعبد الملك، بعد البيت السابق:
أدنو لترحمني وتقبل توبتي … وأراك تدفعني، فأين المدفع
قال عبد الملك: إلى النار. قال أبو أحمد: إن صحت الرواية: فقد أخطأ فيما قال عبد الملك. إن كان يريد نار الآخرة، فهذه لا يملكها، كما لا يملك لنفسه الجنة. وإن كان يريد نار الدنيا، والعذاب الذي يلاقيه منه، فهو مخطئ، فلو أنّ سلاطين العرب قتلوا كلّ من خالفهم في الفتنة، لفنى العرب. والمعروف أن الفتن التي تمت في تاريخ العرب، لم ينتصر فيها من كان على حقّ كامل، وإنما انتصر فيها من انتصر، إما لضعف خصمه العسكري، وإما لأن ناسا من أهل الحكمة رأوا حقن دماء المسلمين، فلا يغترنّ سلطان بسلطانه، وليكن واسع الصدر مع من ولّاه الله عليهم، ولينظر بعين للآخرة التي لا يستطيع فيها أن يكذب على ربّه، ولينظر بعين أخرى إلى التاريخ الذي سيكتب عنه، وهو الذّكر الذي يخلد به في الدنيا، وليعلم أنّ الذين يذكرون محامده في حياته خوفا، لن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك بعد موته.