وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ لِوَرَقِهِ قِيمَةٌ مُحِيَ الْكِتَابُ وَجُعِلَ الْوَرِقُ فِي الْغَنِيمَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَرَقِهِ فَلْيَغْسِلْ وَرَقَهُ بِالْمَاءِ حَتَّى يَذْهَبَ الْكِتَابُ ثُمَّ يُحْرِقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَحَبَّ.
لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ فِيهِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي إحْرَاقِهِ بَعْدَ غَسْلِهِ الْمَكْتُوبَ فِيهِ مَعْنَى الْغَيْظِ لَهُمْ، وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ. وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْفِنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ مَحْوِ الْكِتَابِ.
لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَطْلُبَهُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسْتَخْرِجُوهُ، وَيَأْخُذُوا بِمَا فِيهِ، فَيَزِيدُهُمْ ذَلِكَ ضَلَالًا إلَى ضَلَالِهِمْ.
وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَأْمَنُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفِنَهُ، فَيَكُونُ دَلِيلًا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا انْقَطَعَ أَوْرَاقُ الْمُصْحَفِ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِدَفْنِهِ فِي مَكَان طَاهِرٍ. وَالْغَسْلُ بِالْمَاءِ أَحْسَنُ الْوُجُوهِ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. وَإِنْ أَرَادَ شِرَاءَهُ رَجُلٌ ثِقَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ الْإِمَامُ.
لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ، إلَّا أَنَّ كَرَاهَةَ بَيْعِهِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ هَا هُنَا. فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَّخِذُهُ خَمْرًا.
قَالَ مَشَايِخُنَا: وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا يَجِدُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ كُتُبِ الْبَاطِنَةِ وَأَهْل الْأَهْوَاء الْمُضِلَّةِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي يَدِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَيُفْتَتَنُوا بِهِ؛ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.