أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَوْ دَخَلُوا دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَأَخَذَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟
888 - وَلَوْ أَنَّ جُنْدًا عَظِيمًا مِنْهُمْ دَخَلُوا دَارَنَا، فَقَاتَلَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَهَرُوهُمْ كَانُوا لَهُمْ خَاصَّةً.
وَمَا كَانَ الْفَرْقُ إلَّا بِهَذَا. إنَّ الَّذِينَ لَهُمْ مَنَعَةٌ مَا صَارُوا مَقْهُورِينَ بِحُصُولِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الَّذِينَ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ.
ثُمَّ تَحَقَّقَ مَا قُلْنَا: إنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُمْتَنِعِينَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ أَمَانُ الْوَاحِدِ الَّذِي جَاءَ مَعَهُمْ صَحِيحًا أَدَّى إلَى الْغُرُورِ؛ لِأَنَّهُمْ فَارَقُوا مَنَعَتَهُمْ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَمَانِ. وَفِي الْجُنْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ مَا فَارَقُوا مَنَعَتَهُمْ بِنَاءً عَلَى أَمَانِهِ بَلْ هُمْ مُمْتَنِعُونَ بِشَرِكَتِهِمْ فِي دَارِنَا، كَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْرَجَهُمْ هَذَا الْمُسْلِمُ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْعَسْكَرِ فَهُمْ آمِنُونَ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْعَسْكَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ. فَيَكُونُ قَاهِرًا لَا مَقْهُورًا إذَا وَصَلَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْعَسْكَرِ لِكَثْرَتِهِمْ فَأَمَانُهُ لَهُمْ بَاطِلٌ وَإِنْ خَرَجَ مَعَهُمْ لِمَا بَيَّنَّا.
889 - وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حَاصَرُوا حِصْنًا وَفِيهِمْ مُسْلِمٌ فَآمَنَ قَوْمًا لَا مَنَعَةَ لَهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مَعَهُ إلَى الْعَسْكَرِ لَمْ يَكُونُوا آمَنِينَ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. لِأَنَّ الْمَحْصُورِينَ قَدْ صَارُوا مَقْهُورِينَ مِنْ وَجْهٍ، فَحَالُهُمْ كَحَالِ الْمَأْسُورِينَ